بين يدي كورونا .. الاقتصاد الأردني بين توصيف ما لا نريد ووصفة العلاج
د. محمد فخري صويلح
11-05-2020 05:10 PM
ما بين الارتباك الرسمي ،، والخوف الشعبي المنشغلان اليوم بجائحة كورونا في بعدها الصحي،، والتي أفقدت العالم توازنه وبوصلته نحو تحديد التوصيف الدقيق للمشهد الاقتصادي ما بعد أزمة كورونا،، وتقديم خارطة الطريق نحو الحل وبدائله،، وفي محاولة لوضع جملة متراتبة من التوصيفات - غير المرغوب بها لدى الكثيرين - سعياً للوصول بعدها إلى جملة من البدائل والمقاربات التي تسعى للانتقال بنا أردنياً نحو مساحة الأمان المنشودة.
وفي محاولة لاستخلاص توصيفات الحال الاقتصادي أردنياً لأزمة كورونا،، فإننا نرى استحواذ الصدمة الصحية والخوف من الإصابة أو الموت على بدايات المشهد أردنياً،، كما كان حالها في كل جغرافيا العالم على تلك البدايات،، فيما غابت النظرة الأولية للخسارة المالية الحالة والمتوقعة ،، وتقدم الاهتمام غير المتوازن نحو الصحة مستنداً للرغبة في البقاء والحياة على حساب الإدامة والاستمرارية المالية والتي تحفظ حياة الناس وسلامة المجتمعات.
وقد جاءت الاستجابة للصدمة الصحية متأخرة، وغير مدركة ولا واثقة لمستقبليات الحال، وتشوبها تخبطات ناشئة عدم وضوح صورة الوباء وضعف الإمكانات المادية وغياب الخطة البديلة وعجز المسؤول وضعف خبرته في أغلب الحالات على خلق حالة مواجهة واثقة للوباء مما أفقد القرارات الرسمية كفاءتها المرجوة.
وفيما تزامن حظر الحركة مع قدوم شهر رمضان المبارك ومع المزاج الرسمي والشعبي المرتبك ،، فقد تأثرت الانتاجية وكانت في أدنى وأسوأ مستوياتها،، وغاب تفاؤل المجتمع والقطاعات التجارية بالعيد بسبب ارتباط ما قبله من أيام عمل بالحظر الجزئي والتعطيل الكلي أو الجزئي لقطاعات الإنتاج، بالإضافة إلى ضعف القوة الشرائية لدى الناس.
وفيما كانت بدايات الحكومة موفقة رافقها ارتفاع غير مسبوق في شعبيتها لكنها سرعان ما عادت إلى مستوياتها الضعيفة بسبب عدم المصداقية في قرارات معالجة الأزمة الناشئة عن مراجعات غير مدروسة وغير مسببة لها وبسبب الظهور الإعلامي غير المثمر لبعض الوزراء،، إضافة لعدم امتلاك الحكومة شجاعة الاعتراف بالخطأ أو سوء التقدير في ممارساتها.
رافق ذلك توظيف قوى الدولة العميقة لأدواتها لارباك المشهد ومثال ذلك ما قدمه مقال الصحفي ماهر أبو طير الذي كتب عن خلو الخزينة الحكومية من أي دينار لرواتب شهر أيار الحالي.
ما سبق سيؤدي وبالإضافة إلى خفض رواتب القطاعين العام والخاص إلى تسريع حالة الكساد وتأكيدها ،، وستكون الآثار كارثية على حياة الناس والتجار في قطاع التجزئة تحديداً وفي بقية القطاعات وبما يعزز خوف المجتمع المتصل بضعف القوة الشرائية لديه ويؤدي إلى العزوف عن ارتياد الأسواق والميل نحو ضبط الانفاق والادخار،، وبالتالي المساهمة في تأكيد حالة الكساد،، وقد ينصرف الناس إلى ما هو أبعد من خلال تحويل مدخراتهم إلى عملات أكثر موثوقية أو نحو الذهب.
فيما تذهب بعض التقديرات إلى أن الأشهر الثلاثة القادمة ( الأشهر الحرجة ) ستشهد دخول كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة بحالة إفلاس بسبب تعثر تدفقاتها النقدية ،، وسيتجه العقلاء من أصحاب هذه الشركات نحو هيكلة مؤسساتهم من خلال الاندماج وتكوين كيانات تجارية وصناعية وخدمية جديدة متوازنة وأكثر قوة ،، مع التذكير بأن المتجهين نحو التصحيح قلة بسبب غياب ثقافة تكوين الشراكات بين التجار والصناعيين.
وما لم تتحول الحكومة نحو خفض تكاليف الانتاج والتشغيل للقطاع التجاري والصناعي والزراعي من خلال حُزم حقيقية لدعم هذه القطاعات،، فإنها ستحكم على هذه القطاعات بالفشل والموت السريع.
مذكرين بأن الحل اليتيم الذي قدمته الحكومة من خلال البنك المركزي بتوسيع قاعدة الاقتراض للقطاع الخاص والأفراد والذي سيسرع بخلق حالة إرباك أكبر قد تصل إلى انهيار هذين القطاعين بسبب اثقالهما بالديون ،، وسيتبعه تلاشي الطبقة الوسطى من المجتمع وانتقال الأغلبية نحو الفقر والفقر المدقع،، فيما ستنتفع قلة من الأزمة وتتجه نحو مزيد من الثراء.
ما سبق سيذهب بنا إلى تفكك وإعادة هيكلة القطاع الخاص بكل تكويناته القطاعية والذي سينعكس مع نهاية العام بصورة رداءة ديون البنوك بسبب التعثرات المالية للمقترضين من القطاع الخاص تحديداً ،، وبالتالي فإن البنوك الأردنية ستواجه أزمات قاسية مع نهاية الربع الأول في العام ٢٠٢١ والذي سيذهب بالاقتصاد الوطني نحو توسيع قاعدة الاستغناء عن الوظائف في القطاعين العام والخاص وزيادة حدة البطالة في المجتمع الأردني.
ولا بد من التاكيد على أن السيناريو السابق سيؤدي إلى تخفيض الإنفاق لدى الأفراد والقطاعين العام والخاص مسبباً إبطاء دورة الاقتصاد،، وتعطيل موعد تجديد انطلاقته مجدداً.
بقي أن أختم مساحة التوصيف بضرورة التذكير أن الاقتصاد الحكومي المعتمد على تحصيل الرسوم والضرائب سيكون أحد ضحايا التحرك الحكومي الخاطئ والسابق الإشارة إليه أعلاه،، إذ ستنخفض تحصيلات الحكومة بشكل ملحوظ مما قد يدفعها مع غياب الرؤيا لديها إلى الهروب نحو فرض ضرائب جديدة قاسية على المواطنين لتعويض جزء من مواردها المالية المفقودة.
وفي خطوات الحل فإننا نؤكد على أن حل الأزمات الاقتصادية يتطلب حزماً مالية وشجاعة في تقديم البدائل المتوازنة بعد أن يتم تقسيم مرحلة العلاج إلى مرحلة للانعاش وأخرى للترميم وثالثة للتعافي والانطلاق،، ومن البدائل المقترحة:
1. التقشف الحقيقي غير الموهوم في الانفاق الحكومي وإعادة هيكلة الميزانية الحكومية ،، وميزانيات المؤسسات والقطاع الخاص وحتى موازنات الأسر الأردنية وهو ما يتطلب مصارحة وتعديلاً سريعاً في ثقافة الدولة والمجتمع.
2. هيكلة الكادر الحكومي وإعادة دراسة الوظائف والحاجة لها.
3. هيكلة الرواتب والامتيازات الحكومية من أعلى السلم الوظيفي وحتى أدناه وبقصد توحيد سلم الرواتب وخفض التكلفة الناشئة عن ذلك.
4. دمج المؤسسات المستقلة مع الوزارات المماثلة وفق دراسة فنية تحقق غايات الدمج وتمنع أي اختلالات ناشئة عن استحداث أو دمج هذه الهيئات وفق الدور المنوط بكل منها.
5. تأجيل المشاريع الحكومية القابلة للتأجيل.
6. تخارج الحكومة من كل الاستثمارات التي دخلت بها مسبقاً.
7. تشجيع البنوك نحو الاندماج فيما بينها من خلال رفع رأسمال كل منها ليصبح ٢٥٠ مليون دينار وبقصد خلق كيانات مالية تتمتع بمناعة حقيقية على أن يتم الرفع بشكل تدريجي منتهياً بموعد أقصاه نهاية ٢٠٢٢.
8. تفعيل قطاع الوقف ليأخذ دوره التنموي وليتحمل جزءً من مسؤليات الدولة الاجتماعية والاقتصادية.
9. إنشاء صناديق للمخاطر على مستوى القطاعات على أن يكون الاشتراك فيها إلزامياً ،، وأن تساهم الحكومة بما يعادل ١٠٪ من رأسمال كل صندوق،، وأن تكون إدارة كل صندوق تتبع الجهة القطاعية التي تخدمها وبدون تدخل حكومي مباشر بإدارة هذه الصناديق،، وبحيث تنظم استقطاب الأموال لها وصرفها،، وبما يضمن توجيه عوائد هذه الصناديق لدعم هذه القطاعات وإسنادها.
10. الذهاب نحو إصدار صكوك/ سندات وطنية مكفولة من الحكومة تساهم بها البنوك باقتطاع جزء من ودائع المتعاملين معها وتستثمر لمدة ١٠ سنوات في قطاعات استرتيجيه أبرزها الزراعة والطاقة والصناعة والاقتصاد الريادي.
11. ستبرز في القريب العاجل فرص ريادية واعدة في قطاعات الصحة والتعليم عن بعد والاقتصاد الرقمي والذكاء الصناعي والصناعات الغذائية والصحية مما يستوجب سرعة التفكير الناضج في الإفادة من هذه القطاعات والتميز بها قبل فوات نفعها.
12. استقطاب مشاريع جديدة معفاة من الضرائب والرسوم كلياً لمدة ٥ سنوات شريطة تشغيل كل منها ١٠٠ عامل أردني على الأقل مع ضمان استمراريتها لمدة مماثلة على الأقل بعد مدة الإعفاء .
13. ضرورة تعزيز مؤسسة الضمان الاجتماعي ومواردها باعتبارها ضمانة للمجتمع الأردني والأجيال القادمة فيه.
14. الانتهاء من ملفات الفساد المالي صلحاً وتحصيل الأموال الأميرية وأموال التهرب الضريبي وضبط وتعزيز أوجه الحماية للمال العام.
15. ستبقى حاضنة البدائل السابقة قائمة وترتكز في نجاحها على توفير مناخات سياسية من خلال حاضنة شعبية لمجلس نواب قوي منتخب وفق قانون يحاكي قانون ١٩٨٩،، مع إطار كامل للحريات العامة.
ما سبق توصيف قد يراه البعض متحفظاً أو متشائماً - وأتمنى أن يكون كذلك- ،، ولكن وقائع الحال تؤشر له ،، وقد أحطته ببعض الخطوات التنفيذية التي قد تصلح في أغلبها حلولاً لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة.