الإخوان بحاجة إلى "أردوغان"
د. محمد أبو رمان
03-06-2007 03:00 AM
عندما حقق حزب العدالة والتنمية فوزه الكبير في الانتخابات التشريعية الأخيرة في تركيا 2002، وتمكن من اكتساح البرلمان بأغلبية مطلقة شكلت لحظة تحول تراجيدية في التاريخ التركي المعاصر، كنا في أحد مراكز الدراسات الخاصة نقوم بدراسة تجربة الحزب (صدرت فيما بعد بكتاب حمل عنوان: جراحة تجميلية في العمل الإسلامي: قراءة في تجربة حزب العدالة والتنمية التركي)، وكان رئيس مجلس إدارة المركز آنذاك عماد أبو دية، أحد أبرز القيادات الشبابية السابقة في جماعة الإخوان، فقد أولى أبو دية اهتماماً كبيراً للتجربة وفي الإجابة عن سؤال ملح حول مدى قدرة الجيل الجديد من الحركة الإسلامية التركية على إحداث اختراق تاريخي والخروج من حيز المعادلة البائسة والحلقة المفرغة في الصراع مع الحرس القديم في الدولة الذي كان ينقض على الإسلاميين كلما حققوا إنجازات سياسية بذريعة الخروج على التقاليد العلمانية.أثناء دراسة تجربة الحزب، وفي مرحلة الإعداد للكتاب، جرت مناقشة أفكار الحزب مع مستويات قيادية متعددة داخل جماعة الإخوان، وعلى الرغم من إعجاب الجيل الشبابي الإخواني الجديد بالتجربة وبالانقلاب الذي أحدثته، إلاّ أنّ تياراً إخوانياً بقي مصراً على نقد التجربة ورفضها بالكلية لاعتبارات متعددة أبرزها ما اعتبره هذا التيار تخلياً عن الشعارات الإسلامية و"الانسلاخ" من هوية الحركة الإسلامية جرياً وراء "السراب" من جهة، ومن ذلك موقف الحزب من التسوية السلمية (عندها لم تكن حركة حماس قد شاركت في الانتخابات التي شكلت بعدها حكومتها!) ومحاولته استرضاء الغرب والولايات المتحدة على حساب "ثوابت الأمة".
بالتأكيد لم يكن مطروحاً آنذاك، ولا حالياً، تعميم تجربة الحزب، واستنساخها بالكلية، فلكل تجربة حيثياتها وشروطها التاريخية المختلفة، لكن النجاح الذي حققه الحزب (ذو الخلفية الإسلامية) لا بد أن يقرأ جيداً في الوسط الإسلامي- العربي الذي يعاني منذ سنوات من أزمة تكاد تكون مماثلة بمخرجاتها للتجربة التركية وهي تلك الحلقة المفرغة من الصراع السياسي مع الحكومات العربية، فأصبحت بمثابة "قميص عثمان" الذي تتمسك به هذه الحكومات للحيلولة دون المضي قدما في مشروع الإصلاح السياسي.
مرّ زمن، وجرت مياه كثيرة بعد تلك المناقشات حول تجربة العدالة والتنمية، لكن ما هو واضح للعيان اليوم أنّ التجربة حققت نجاحات وأثبتت فعاليتها ونضجها. فقد تمكنت حكومة العدالة والتنمية من تعزيز شعبيتها من خلال الانجازات السياسية والاقتصادية والخدماتية على أرض الواقع، وعلى الرغم من "التنغيص" اليومي من الحرس القديم، فقد قلب أردوغان ورفاقه الطاولة على العسكر إذ تحول الموقف الدولي مسانداً لهم ضد العسكر، بعد أن كان سابقاً جداراً صلباً يسند الحرس القديم ظهره عليه.
مناسبة الحديث عن أردوغان وحزب العدالة والتنمية، في الحقيقة، المقالان المتميزان والملفتان اللذان كتبهما الزميل إبراهيم غرايبة، الضليع في الشأن الإخواني، في صحيفة الغد قبل أيام، ولا داعي للتذكير أن غرايبة دفع ثمن أفكاره الثورية المتقدمة بخروجه من رحم الجماعة. أمّا الفكرة الجوهرية التي يقدمها غرايبة، للقيادات الإخوانية والأجيال الجديدة، فهي – في تقديري- عدم الانجرار وراء الأزمات المتتالية الصغيرة مع الحكومات على حساب الأسئلة الحقيقية التي تطرح نفسها بقوة على الإخوان.
فوفقاً للفكرة التي يرددها غرايبة دوما أنّ الجماعة استنفدت أغراضها وأهدافها وأنها وصلت إلى طريق موصد، باتت فيه تدور في حلقة دون تجاوزها ودون أن تقدم شيئاً يذكر للمجتمع، سواء على مستوى الدور السياسي أو الاجتماعي أو الوعظي.
الاختطاف التاريخي لجماعة الإخوان هو انشغالها بهذه الأزمات والصراعات (سواء الداخلية- التنظيمية أو في علاقتها بالمؤسسات الرسمية) عن التحدي الحقيقي أمام القيادات الواعية في الجماعة وهو الخروج من نفق الاستنزاف اليومي الحالي والانطلاق إلى مراجعة حقيقية كبيرة وجذرية، تتضمن قدراً كبيراً من المصارحة والجرأة ونقد الذات، وصولاً إلى بناء استراتيجية جديدة لمشروع الجماعة المستقبلي. وأتذكر هنا حوارا خاصا أجريته مع المفكر الإسلامي فهمي هويدي، إذ يرى أنّ جماعة الإخوان شغلت خلال العقود السابقة في الدفاع عن نفسها بدلاً من تطوير ذاتها وتجديد مشروعها النهضوي والحضاري، وهويدي لا يضع اللوم كاملاً على الجماعة، فهنالك ضغط سلطوي دائم، لكنه لا يبرئ الجماعة تماماً من المسؤولية عن حالة الجمود الفكري الحالي.
الفكرة المهمة التي يطرحها الزميل المفكر إبراهيم غرايبة أن جماعة الإخوان باتت تمثل اليوم الطبقة الوسطى في العديد من المجتمعات العربية وهي معنية بالدفاع عن هذه الطبقة - في مواجهة أصحاب المصالح الاقتصادية والسلطة السياسية- وحماية المجتمع والمساهمة في نموه وتطوره والمشاركة في المشروعات التنموية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي دوراً حيوياً في هذا السياق، ما يدفع إلى إعادة النظر في تشكيلة الهيئات القيادية والاهتمامات الرئيسة للجماعة وقضية توزيع الأدوار وتجديد الأفكار لتكون الجماعة قادرة على مواجهة التحديات والمشكلات الكبرى التي تطرح على المجتمعات والدول العربية.
في وقت قريب طرح المفكر الكويتي عبدالله النفيسي الحالة الإخوانية القطرية، التي تتمثل بقرار حل الجماعة نظراً لعدم الحاجة إليها، كمثال على المراجعة الجريئة والحقيقية، بالطبع انطلق الهجوم والانتقاد على النفيسي من كل حدب وصوب، ومرت دعوته دون إفادة تذكر، على الرغم من أن الرجل أراد التحذير من معضلة حقيقية تعاني منها الجماعة وهي أن التنظيم أصبح عبئاً على المشروع الفكري والنهضوي نفسه، حتى على الدعوة الإسلامية، واصبحت هنالك حالة من الجمود القاتل، والاستنزاف اليومي في صراعات على حساب المشروع النهضوي- الاجتماعي الحقيقي الذي قامت الجماعة على تحقيقه، كما أصبحت الجماعة في كثير من الدول طاردة للطاقات الإنسانية، وممراً للمفكرين بدلاً أن تكون مستقراً لهم.
ما تحتاجه جماعة الإخوان هي قيادات شابة كأردوغان وعبدالله غول تقوم بعملية انقلاب تاريخي في مسار الجماعة. وبلا شك أنّ الجماعة تمتلك طاقات متميزة في العديد من الدول، لكن على هذه الطاقات التحرك والعمل على إخراج الجماعة من حالة الجمود والترهل الحالية والالتفات إلى هذا الدور التاريخي الذي يتوجب عليها القيام به.
m.aburumman@alghad.jo