أكبر المتضررين اقتصاديا من أزمة كورونا هم أصحاب المشاريع والشركات الصغيرة والمتوسطة، ولأجل ذلك صمم البنك المركزي الأردني برنامجا للإقراض خصص بموجبه نحو 500 مليون دينار لمساعدة هذه القطاعات على تجاوز أزمتها والوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين لتجنب عمليات تسريح واسعة تزيد من تفاقم مشكلة البطالة.
برنامج البنك المركزي هذا كان خطوة ممتازة في الاتجاه الصحيح وقوبل بالثناء من الجميع، خاصة وأنه غير مكلف من ناحية الفوائد على المقترضين.
البنوك التجارية استلمت دفة العملية، وهنا بدأت تظهر الخروقات الواضحة وعدم الالتزام بفلسفة الخطوة التي أقدم عليها البنك المركزي.
وفي سلوك مشابه لما حدث مع حزمة المساعدات الأولى في الولايات المتحدة الأميركية، فضلت بعض البنوك الأردنية عملاءها الكبار والمقتدرين على المستهدفين الحقيقيين من صغار المستثمرين والمنتجين، فمنحتهم الأفضلية والسبق للحصول على التسهيلات المتاحة، ولأهداف غير تلك التي اشترطها برنامج البنك المركزي. ناهيك عن تحايل البعض منهم بفرض فوائد إضافية تزيد على نسبة 2 % التي أقرها “المركزي”.
لجأت بعض البنوك إلى فرض شروط تعجيزية على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قبل الموافقة على منحها التسهيلات المطلوبة، واستثنت قطاعات أخرى بحاجة ماسة للمساعدة في مثل هذه الظروف. وفي المقابل، وكما سجل مطلعون على خفايا الأمور، عشرات الحالات التي تم بموجبها منح تسهيلات ميسرة لكبار العملاء، استخدمت في تسديد قروض كانوا قد حصلوا عليها وبخلاف تعليمات البرنامج.
ما حدث على هذا الصعيد ليس سوى مثال على الطريقة التي تصرف فيها الجهاز المصرفي خلال أزمة كورونا. كل قرار اتخذته البنوك لإبداء المرونة حيال المقترضين كان تحت الضغط من القيمين على السياسة النقدية في المملكة. وعند التنفيذ كان كل شيء قابلا للمراوغة والتملص، حتى في موضوع تأجيل الأقساط الشهرية والفوائد المترتبة على القروض. بعض المصارف لم تلتزم بالقرار وكانت تطلب من المقترضين ضرورة مراجعة فروعهم قبل تأجيل الدفع الشهري، في وقت كانت فيه البنوك مغلقة وتعليمات حظر التنقل تحول دون وصول العملاء للبنوك أصلا بعد فتحها.
لا ينكر المرء الدور الذي لعبته المصارف في دعم صندوق “همة وطن” والجهود الفردية المخلصة لبعض القيادات المصرفية التي تولت حشد الموارد لتأمين التبرعات النقدية، لكن “تحالف البنوك” وما بات يعرف بالبانكرز تعامل مع الأزمة باعتبارها فرصة استثمارية وليس تحديا اقتصاديا للوطن يستدعي أقصى درجات المسؤولية الوطنية.
لقد استمعنا لسيل من شكاوى صغار ومتوسطي الحال من أصحاب الشركات الذين حاولوا جاهدين تلبية شروط المصارف للحصول على قروض، لكن جهودهم باءت بالفشل، بينما نال الكبار الحصة الكبرى من كعكة الدعم.
الاقتصاد الأردني يقوم على أكتاف أصحاب الأعمال المتوسطة والصغيرة بالدرجة الأولى، لأنهم الشريحة الأكبر، وبمقدار دعمهم تتحدد قدرتنا على تجاوز الأزمة الاقتصادية.
ما نخشاه أن يكون الكبار وتحالف البنوك المنتصر الوحيد من الأزمة، بينما يخرج الصغار خاسرين، تماما كما حدث في الدول الكبرى بعد أزمة 2008.(الغد)