لم تكن شعبية حكومة الدكتور عمر الرزاز في مستويات مريحة قبل أزمة كورونا ،حيث كانت هناك مؤشرات على تراجع الثقة الشعبية بالحكومة وقدرتها على التعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة، ناهيك عن إخفاقات عديدة في مجالات تخفيض نسب الفقر والبطالة والفساد الإداري والمالي والتي كانت الحكومة قد وعدت بها من خلال كتب التكليف السامي، أو من خلال تعهدات دولة الرئيس أمام البرلمان أو عبر اللقاءات الإعلامية المتعددة.صحيح أن الحكومة سجلت نجاحات واختراقات في عدد من المجالات مثل تصدير العمالة إلى بعض الدول الخليجية مثل قطر والكويت وحصلت على بعض المساعدات المالية المتواضعة لكن هذه الاختراقات كانت بشكل أساسي ثمرة لنشاط ملكي وعلاقات سياسية بين القيادة الأردنية وقيادات دول الخليج.
جائحة كورونا يبدوا أنها قد أتت على كل شيء واستهلكت الإنجاز ،وفاقمت من الأزمات المالية والاقتصادية المستحكمة، ولا أعلم إن كان في جعبة الحكومة ما تقدمة من إبداع للخروج من هذه الأزمة .إجراءات الحكومة الصحية في احتواء الجائحة حققت نجاحات ملحوظة وملفتة في البداية تمكن من خلالها الأردن من السيطرة على الوباء وتضاءل عدد الحالات الجديدة لدرجة أن العدد الإجمالي للإصابات لم يصل لعدد الإصابات المسجلة لمدة يوم واحد في دولة الإمارات العربية المتحدة أو قطر أو الكويت وهي دول لا يتجاوز مجموع سكانها مجتمعين عدد سكان الأردن. هذه الشعبية لإجراءات الحكومة في إدارة الأزمة الصحية ما لبثت وأن خبت وانحسرت بفعل قرارات ربما متعجلة وغير مدروسة تتعلق بالحظر الشامل أيام نهاية الأسبوع، وتقييد حركة السيارات والنقل العام وإصدار تصاريح المرور التي شابها ما شابها وكثير من الإجراءات المنظمة لعمل كثير من القطاعات الحيوية.معظم هذه الإجراءات والقرارات كانت تهدف إلى الحد من التجمهر والتجمعات البشرية والحقيقة أن هذه الإجراءات لم تكن ذات فائدة كبيرة فما أن يتاح للمواطنين الخروج للتسوق أو أداء بعض الأعمال حتي ترى ازدحامات وتجمهر واكتظاظ بشري يفتقد لأدنى متطلبات السلامة العامة ،وهنا نتساءل ما فائدة الحظر إذا كانت آلاف مؤلفة من الناس يهرعون لمراكز التسوق الكتف على الكتف فما يمكن أن نمنعه لمدة يوم أو يومين من الحظر الشامل أو من الحظر اليومي بعد ساعات محددة يمكن أن يهدر كل شيء أمام نظرنا وتنتقل العدوى خلال ساعات أو سويعات قليلة!.نعتقد أن التركيز الحكومي كان ينبغي أن يكون على إجراءات السلامة العامة والتوعية والتعقيم أكثر من قضايا الحظر الذي يبدوا أنه راق للحكومة واستمرأته خصوصا وأن أوامر الدفاع يصعب النقاش فيها وعطلت بعض مجالات هامة من المنظومة القانونية والتشريعية المعمول بها.إن عودة عدد الإصابات لمعدلاتها الأولى شكل نكسة كبيرة للجهد الوطني لمكافحة الجائحة وأعتقد أن تراخي الحكومة في ضبط موضوع سائقي الشاحنات شكل إخفاقا ذريعا يمكن أن يعيدنا إلى المربع الأول أن لم يكن قد أعادنا فعلا.
أما السبب الآخر في تراجع شعبية الحكومة فهو يعود إلى حالة عدم التأكد لا بل والتخبط في تصريحات الوزراء بشأن الخطة الحكومية للتعامل مع معطيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي بدأنا جميعا نشعر بتفاقمها .الوزراء كل يغني على ليلاه في تقدير الخسائر اليومية والسنوية للاقتصاد ويعود ليؤكد بأننا سنصرف الرواتب قبل موعدها وأن العملة النقدية بخير، واحتياطياتنا المالية ممتازة، ومخزونا الاستراتيجي من السلع والمواد الغذائية مريح .لا أعلم كيف يمكن أن يحصل مثل هذا الكلام الذي يغلب عليه المكابرة وتجاهل المأزق الاقتصادي الذي ينتظرنا في ظل تراجع الإيرادات في الشهور الأربعة من عام 2020 بمقدار 640 مليون دينار.لا أعلم كيف يمكن تجميد المشاريع الرأسمالية والاستثمارية والتي تشكل عصب الاقتصاد والمحرك الأساسي لقطاعات التشغيل والإنتاج والنقل والأشغال ! لا أعلم كيف تحصل مثل هذه التطمينات في الوقت الذي نرى أن دولا مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وحتى دول الخليج النفطية تدق ناقوس الخطر وتعلن ليل نهار عن انعكاسات خطيرة على مستوى معيشة المواطنين.
إبداعات حكومة الرزاز في التعامل مع أزمة كرونا في البدايات استهلكتها الإخفاقات والقرارات العشوائية في المراحل اللاحقة والتي يبدوا أن زهوة النجاح سرعت ودفعت بالحراس للنزول عن الجبل طمعا بالغنائم والشعبيات مما سهل على الجائحة للالتفاف والدخول مرة أخرى من بوابات البلد عبر الشاحنات أو بعض الطلبة العائدين.
لغاية الآن لم يلمس الأردنيون وجود تصور حقيقي أو خطة اقتصادية محكمة أو بديلة تبين لهم أن الحكومة تعرف ما الذي ستفعله في القادم من الأيام.وإن كان هنالك مثل هذه الخطط فإن من الأولى إطلاع الشعب الذي على ما يبدوا بأنه سيكون المصدر الأول لتمويل نتائج أزمة كورونا. المقلق أكثر هي تلك الكلمات التي نسمعها من المسئولين بأنها أزمة(وبتعدي) وغير ذلك من المجاملة والكلام السياسي الذي يطمس حقائق وتحديات اقتصادية صعبة سنواجهها في الشهور القادمة.الأردن بحاجة إلى طروحات جديدة تستند إلى المعطيات الاستثنائية التي فرضتها الجائحة وأعتقد بأنه إذا لم تتوفر مثل هذه الطروحات الخلاقة والأفكار الإبداعية لدى الحكومة الحالية فعليها الرحيل لتتيح لفريق جديد أن يدلي بدلوه ومساهماته للخروج من أزمتنا.