ثغرات في استقبال الطلاب العائدين
سعد حتر
08-05-2020 03:54 PM
تجازف الحكومة بنسف جسور الثقة وتهبيط مؤشر الرضا المستجد نتيجة التجبّر والتخبط أحيانا في إدارة ملف إعادة طلابنا إلى حضن الوطن وكذلك التباطوء في "تعشيق" دورة الاقتصاد "المكربجة" بفعل قوانين الدفاع. هذه الأخطاء بدأت تأكل من رصيد الإنجازات الذي راكمه فرسان فريق احتواء الفيروس – وزراء الصحّة، الإعلام والاتصال إلى جانب الأوقاف- وكذلك محافظ المصرف المركزي القيّم على السياسات النقدية.
إعادة الطالبات/ الطلاّب مرّت بمرحلتين: التسجيل استباقيا وتسديد كلف الإقامة رقميا في موقعين للحجر على شاطىء البحر الميت ثم لوجستية استقبال العائدين ونقلهم إلى الفنادق أو الغرف المجهزّة لذوي الدخل المحدود.
التجهيز للمرحلة الأولى تطلّب ثلاثة أسابيع على الأقل، واجه الطلاب وعائلاتهم خلالها شروطا تعجيزية فيما يتصل بتسديد أثمان التذاكر والإقامة مسبقا قبل الحجز. وفرضت المنصّة الالكترونية على طلاب تغيير مكان إقامتهم إلى الفنادق – بعد امتلاء غرف الشاطىء قليلة الكلفة – وبالتالي أصرّت عليهم أو على ذويهم دفع الفارق – قرابة ألف دينار- قبل منحهم بطاقات الصعود للطائرة. هذا التعجيز أفقد العديد منهم فرصة العودة للوطن أو دفع ذوي "من حالفهم الحظ" إلى الاستدانة في اللحظة الأخيرة لإعادة أبنائهم في الغربة.
قارنو بين هذه الممارسة وبين لفتة توزيع الورد الجوري على من أخضعوا للحجر دون مقابل في بداية أزمة كورونا، من بينهم عرب وأجانب. في المقابل، تعاملتم مع الطلاّب على أنهم "زبائن طيارة" وأرقام في العالم الافتراضي متجاهلين تـآكل دخول غالبية الأردنيين نتيجة تعطّل عجلة الاقتصاد.
تضمنت كلف إعادة طلابنا - المقدر عددهم ب 35 ألفا- تذكرة رحلة جوية عارضة، الفحوص الطبية، نقل برّي من المطار إلى منطقة الحجر ومنها إلى عمّأن بعد انتهاء الحجر، مع أن القوّات المسلّحة جندّت حافلاتها لهذه المهمة. زد على ذلك هامش الضريبة على طلاّب يدفعون أجور إقامة نظير حجز إجباري داخل غرف مغلقة دون أن يستخدموا أيّا من مرافق الفنادق الترويحية. حتى التكييف المركزي يمنع تشغيله داخل الغرف ضمن بروتوكول الحماية من الفيروس، بخلاف التكييف الفردي داخل الغرف المجهزّة قليلة الكلفة.
لوجستيا، عانى القادمون الأمرين بمجرد هبوط الطائرات في مطار عمّان. إذ واجه الطلاّب عملية تأخير غير مفهومة، امتدت في معظم الأحيان لاثنتي عشرة ساعة، أربع منها داخل الحافلات؛ أطول من رحلة الطائرة. وشعر طلاّب – وكذلك عائلات معها أطفال رضع- بأنهم يعاملون كما شحنة بضائع أو طرود.
نتفهم حرص الحكومة على ضمان صحّة العائدين وتدريع الوطن ضد اختراقات الفيروس المنتشر عالميا. لكن يمكنها التقيد بذلك دون إطالة أمد معاناة القادمين وإرهاقهم ساعات عديدة فوق مدد الطيران وتأخير الرحلات في عواصم الانطلاق. ماذا يمنع نقل القادمين إلى موقع الحجر على مراحل – لدى وصول كل رحلة – بدلا من تكدسيهم داخل الحافلات في انتظار وصول جميع رحلات ذلك اليوم؟
نتمنى أن تستدرك الحكومة وخلية مواجهة الأزمات هذه الثغرات وتستقبل دفعات العائدين المقبلة بحكمة على قدر شوقهم إلى حضن الوطن ومعاناة ذويهم، الذين تقطّعت بهم الأشغال وفقدوا مصادر دخولهم. عليهما أيضا إدراك حجم الضرر المادي والمجتمعي الذي يتكبدّه الأردنيون نتيجة كبح عجلة الاقتصاد وغياب التوازن بين جهود احتواء الجائحة وإنقاذ الاقتصاد.