الديناميكيات التي تطلقها الثورة الصناعية الرابعة، خفضت منسوب الثقة في المؤسسات السياسية على مستوى العالم، بما فيها مؤسسات النظام الدولي. وتراجع منسوب الثقة افقيا وعاموديا.
رغم أن الكثير من الاستجابات الشعبية والحزبية والحكومية قد تبدو كتعزيز للنزعة الوطنية والتي قد تحمل بعض العداء للآخر، والانكفاء على الذات، إلا أنها في الجوهر قلق على الذات لحظة انفراط عقد النظام الدولي، ورفض له في الوقت ذاته.
من هذه الصورة القلقة ومشهدها الانكفائي، يرى البعض أن ما يجري من شأنه أن يقوض الاتجاه نحو التعددية والحوكمة العالمية الفعالة ويعيد العالم للعبة الدولة القومية وصراعاتها ومحصلتها الصفرية.
الذي سيجيب بوضوح على هذه الأسئلة، هو تقدم الوعي من خلال التفاعل وعلاقات الإنتاج داخل منظومة الثورة الصناعية الرابعة.
سيجد الإنسان نفسه ذاتا تتفاعل كند ومع أنداد. وكذلك المدن والفدراليات، ببقاء وازدهار وتطور مشروطة بالعلاقات الشبكية والنظمية الخاصة بها، خارج التقليدي والمعتاد مفاهيما وهياكلا.
وهذا ما طرحته مبادرة التماسك الاجتماعي العالمي social global cohesion، والذي ينطبق على مستوى المنظومات الاقليمية والدولة القومية كما على مستويات الحكم المحلي.
وهذا ما احتوته مبادرة مجموعة العشرين، وما تضمنه خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ملك الأردن.
حيث تحدد في الخطابين مفهوم التماسك الاجتماعي على أنه قدرة المجتمع على التعبير عن التضامن المتبادل من خلال التكامل الشبكي كأنداد، بصرف النظر عن الوزن الزائد لأي طرف. فالتركيز هنا على طبيعة العلاقة وليس على وزن الأطراف كما في نظام توازن القوى.
الثورة الصناعية الرابعة بقدر ما تحمل من وعد الانتاج الكثيف للسلع والخدمات بأكلاف متدنية، فهي تنذر بمخاطر البطالة، والأمن السيبراني، واتساع عدم المساواة، والفقر والكثير غيرها من الجوائح.
عند استحالة الحياة لمنتجات ثورة صناعية ما في بيئة علاقات انتاج قائمة، فإن الثورة سرعان ما تهز بعنف هذه العلاقات وتستبدلها بضرورات علاقات الانتاج المستجدة.
فهل يمكن لسياسات ومبادرات مثل "صندوق صحة عالمي" و "دخل اساسي شامل" و "تعاون دولي ضريبي" أن تؤسس لفكرة المواطنة العالمية، وان تشكل استجابة ضرورية لهزات علاقات الانتاج التي يخلفها اعصار الثورة الصناعية؟