أناني بالطبع مدني بالتطبع
د. عاكف الزعبي
07-05-2020 01:04 PM
هكذا هو الكائن البشري في حقيقته. أناني بطبعه في نسخته الاصلية، ومدني اجتماعي بالتطبع في نسخته الاجتماعية المكتسبة.
الشواهد على ذلك ماثلة في كل حين لكننا قد نكون اعتدنا ان لا نتوقف عندها، أو لا نجيد قراءتها او سرعان ما ننساها.
علم الاجتماع الحديث يرى ذات الرأي، وكذلك الفكر الفلسفي المعاصر. ولولا إضطرار الانسان للعيش في حياة اجتماعية ما كان له ان يكتسب السلوك المدني الاجتماعي ويتطبع به. فالضرورة الاجتماعية هي من تجعله مدنياً وليس التطوع الذاتي.
ولأنه التطبع وليس الطبع هو ما يحكم السلوك المدني عند الانسان منذ فرضت عليه الحياة المجتمعية فقد اعتاد التمرد على تطبعه المدني الاجتماعي المكتسب والنكوص عنه تغليباً لمصلحته الخاصة عندما يلم الضعف بحال المجتمع أو يعتري التراخي سلطة الدولة.
الحروب والجوائح مثلت على مر العصور مصادر محفزة لتنصل الانسان من تطبعه المدني وعودته الى طبعه المجافي للمدنية حفاظاً على حياته وأمنه ومصلحته غير آبه بحقوق وأمن ومصلحة غيره ليصبح ما يخصه فقط دون غيره هو ما يستحوذ على تفكيره وسلوكه معاً.
الحال بين الدول والشعوب لا يختلف عما هو بين الافراد داخل المجتمع الواحد. فلا غرابة ان نجد شعوباً متمدنة لا تمانع في بناء مصالحها على حساب مصالح شعوب اخرى اقل تمدناً، وأن نرى دولاً مدنية ديمقراطية تتحول عن مبادئها لتتغول على حقوق ومصالح دول وشعوب اخرى لا تستطيع الدفاع عن نفسها.
وباء فيروس كورونا المستجد اليوم دليل جديد على عودة الانسان إلى طبعه الأصلي تفكيراً وسلوكاً، ويمثل تمريناً حياً لما يمكن ان يكون عليه سلوك الانسان في الظروف الاستثنائية كالحروب والجوائح. فقد كانت العلاقات بين الدول أولى ضحايا هذا الفيروس حتى انه عصف باتحادات كبرى، وكاد أن يطال التعاون بين ولايات داخل الدولة الواحدة.
لأجل ذلك قد يصح القول ان دولة ظالمة خير من دولة غائبة. وللسبب ذاته تكون الدولة القوية أفضل من الدولة الضعيفة في مطلق الاحوال.