اقتصاديات العمل الخيري واسهاماته في الدخل القومي (1)
غسان الزيود
07-05-2020 10:15 AM
تعترف دول العالم المتقدم اليوم بالقطاع الخيري كشريك رئيس في العمل التنموي، ويذكر هنا القطاع الخيري تحت مسميات عدة منها القطاع الثالث والقطاع المستقل والقطاع اللاربحي، وأصبح لهذا القطاع دور كبير في صناعة العمل التنموي بشكل عام لما من مقدرة في الوصول للفئات المستهدفة المحتاجة والمهمشة مثل اللاجئين والفقراء وذوي الاعاقة، كما تسهم البرامج التي ينفذها ويديرها ويمولها هذا القطاع إلى تحسين ظروف الحياة المعيشية لكثير من السكان.
فدول العالم الثالث لا زالت تعاني من ثالوث المرض والجهل والفقر والتغلب على هذه الأزمات الثلاث تحتاج إلى برامج نوعية وكمية للتغلب عليها وتحقيق الاثر الاجتماعي المطلوب، واهم العناصر التي تسهم في تحسين الظروف هي:
الأول تطوير الجانب الخيري عبر برامج قصيرة وطويلة الأمد.
ثانياً: توفير العنصر البشري المدرب والمؤهل لقيادة هذه البرامج،
ثالثاً: تصميم برامج واقعية توائم ظروف كل مجتمع.
وهنا يأتي دور القطاع الخيري كشريك تنموي يسهم في تعزيز الاقتصاد القومي لأي دولة نظراً لحجم الأموال المتبرع بها لهذا القطاع من الأفراد أو المؤسسات أو الشركات، ودور هذا القطاع في استحداث الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة ناهيك عن دوره بعيد المدى في إحداث التغير المنشود في حياة البشر خاصة في جوانب الصحة والتعليم والتدريب والتأهيل والتثقيف.
وفي عجاله نستعرض بشكل مباشر حجم الأعمال الخيرية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعد الاضخم على مستوى العالم وتعد تجربة حية لنجاح القطاع الخيري
ميزانية الأعمال الخيرية العامة:
قدم الأمريكيون 427.71 مليار دولار في 2018. وهذا يعكس زيادة بنسبة 0.7٪ عن 2017، وزاد عطاء الشركات في 2018 إلى 20.05 مليار دولار بزيادة 5.4٪ عن 2017، كما زادت العطاء المؤسسات في 2018 إلى 75.86 مليار دولار بزيادة 7.3٪ عن 2017، وفي عام 2018 جاء أكبر مصدر للعطاء الخيري من الأفراد بقيمة 292.09 مليار دولار، أو 68٪ من إجمالي العطاء. تليها المؤسسات (75.86 مليار دولار / 18٪) والوصايا (39.71 مليار دولار بنسبة 9٪) والشركات (20.05 مليار دولار بنسبة بلغت 5٪).
أما من حيث نوعية البرامج المتبرع بها في عام 2018، ذهبت غالبية الدولارات الخيرية إلى الدين (29٪)، والتعليم (14٪)، والخدمات الإنسانية(12٪)، ومؤسسات المنح (12٪)، والصحة( 9٪).
وشهدت منظمات الشؤون الدولية أكبر زيادة في العطاء في عام 2018، حيث حصلت على 9.6٪ أكثر من العام السابق.
وبلغ حجم العطاء الخيري 2.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2018 للولايات المتحدة الأمريكية
مؤسسة Charities Aid Foundation الخيرية في تقريرها لعام USA 2019، الذي ينظر في كيفية تقديم الأفراد عبر الولايات المتحدة لتبرعاتهم الخيرية. اذ قدم التقرير نظرة ثاقبة فريدة حول كيفية تبرع الناس ودوافعهم والأسباب التي يدعمونها، وتضمن التقرير النتائج الرئيسية الآتية:
مقارنةً بعام 2017، شارك المزيد من الأشخاص في تقرير مسح هذا العام في الأنشطة الخيرية خلال الاثني عشر شهراً الماضية (70٪، ارتفاعًا من 62٪ في 2017)؛
قدم أكثر من ستة من كل عشرة (62٪) أمريكيين أموالاً في الأشهر الـ 12 الماضية، إما عن طريق التبرع لمؤسسة خيرية، أو التبرع لكنيسة / منظمة دينية، أو برعاية شخص ما، وهذا أيضاً أعلى بكثير من المستوى في عام 2017، حيث كانت في العام السابق 55٪ فعلوا ذلك.
وأظهر التقرير أن الأشخاص الذين يبلغون من العمر 55 عاماً أو أكثر هم الأكثر احتمالاً للقيام بأي من الأنشطة الخيرية، لا سيما فيما يتعلق بالتبرع أو رعاية شخص ما، سواء في الأسابيع الأربعة الماضية أو في الأشهر الـ 12 الماضية؛
المنظمات الدينية لا تزال السبب الأكثر شعبية للتبرع بها في أمريكا بنسبة بلغت (38٪)؛ من خلال استخدام النقود وكذلك عبر الإنترنت باستخدام بنك أو بطاقة ائتمان هي أكثر طرق التبرع شعبية (كلاهما 39٪)؛
وأشار التقرير إلى تطوع أكثر من الثلث (35٪) في العام الماضي2018، ارتفاعاً من 31٪ في عام 2017. وتعد المنظمات الدينية / الكنائس مرة أخرى السبب الأكثر شيوعاً(36٪) للتطوع.
ويعتقد غالبية الأمريكيين أن المؤسسات الخيرية كان لها تأثير إيجابي على مجتمعاتهم المحلية، وعلى الولايات المتحدة ككل، وعلى الصعيد الدولي.
من كل ذلك نرى حجم الأموال المتبرع بها للقطاع الخيري بشموليته ونرى ادراك المجتمع لأهمية هذا القطاع ودوره وملاحظة اثره ، مما انعكس بشكل ايجابي على ارتفاع مقدار التبرع سواء أكان من الأفراد او من الشركات بالإضافة إلى ارتفاع عدد المتطوعين في هذه المؤسسات الخيرية بكافة اشكالها.
لكن من المؤسف حقاً أننا لا نجد احصاءات دقيقة عن مجتمعاتنا العربية والاسلامية تبين حجم القطاع الخيري ودوره في الاقتصاد القومي لأي بلد بالاضافة لعدم توفر احصاءات ترصد الأثر الاجتماعي للتبرعات وطرق إنفاقها على المشروعات التنموية الخيرية، فما أحوجنا اليوم لمراكز دراسات متخصصة بهذا الشأن تهتم برصد وتحليل كافة شؤون القطاع وفق احدث البرامج العلمية ولتبين العائد على الاستثمار الاجتماعي من مختلف البرامج والمشروعات الخيرية التنموية، فالقطاع الخيري لم يعد قطاعاً يدار بالبركة بل بالمنهجيات العلمية المتخصصة في الادارة والتمويل والاستثمار والتسويق الخيري والاعلام التنموي والله الموفق.