العُذر والإعتذار كثقافة في زمن كورونا
أ.د.محمد طالب عبيدات
07-05-2020 12:23 AM
ربط العُذر بالإعتذار ضرورة لأن العُذر كَرَم منّا للآخر والإعتذار كَرَم من الآخر إلينا؛ وأجزم بأن أعقل الناس أعذرهم للناس، درة نفيسه من درر الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنا أقول أن أحلَمَ وأحكَمَ الناس أكثرهم إعتذاراً للناس؛ والسبب أن العاقل من تعامل مع الناس وقدّر أوضاعهم والحالة التي هم فيها ﻷن في ذلك تتجلى معاني اﻹنسانية وكرم العطاء ونبذ اﻷنانية؛ ونتطلّع لتكون ثقافة الإعتذار إنسانية ومن القلب دونما مِنّة أو رياء؛ ومن منّا ليس خطّاء فخير الخطّائين التوابون:
1. اﻷصل أن يكون للجانب اﻹنساني نصيب في حياة كل منا، ففيه الحسنات والصبر وتهذيب النفس ويكسب اﻹنسان فيه الدنيا واﻵخرة؛ فكيف إن كنّا في شهر الصوم وعصر جائحة كورونا التي لم تبقي ولم تذر.
2. أحوال الناس أسرار لا يعلمها إلا الله تعالى، فلا نقسوا عليهم ولا نتجبّر ﻷن كرامتهم فوق كل شيء؛ فالعُذر لمن لم تسعفه الكلمات أو العبارات ولمن سريرته نظيفه وقلبه أبيض ونفسيته صافية كالحليب؛ والإعتذار لمن فهم الأمور وفسّرها كما يريد أو على هواه فالحياة مدّ وجزر والنَّاس تستحق كل خير دونما مِنّة.
3. الكبير دوماً يأخذ الناس بحلمه ويوسّع صدره ويتحمّل سوء التفسير والهفوات وحتى أخطاء الآخرين على سبيل الإعتذار والصفح؛ والآخر يُكبر ذلك ويعتبرها عُذراً مقبولاً لتستقيم الحياة ويكون الناس سواسية ومحبين وعقلاء؛ صحيح أن هنالك فئة قليلة تستغل هذا الجانب في العُذر أو الإعتذار وتعزف على وتره، لكن المعظم مكره أخاك لا بطل واﻷسباب متنوعة.
4. الصبر وقبول العُذر ثقافة إنسانية تتجلى في مواقف عدة، وأفعالنا اليومية مليئة بذلك من مشاهد في كل مكان؛ والنَّاس ليسوا كاملين فكلّنا عثرات وربما هفوات أو حتى أخطاء كبيرة تحتاج للإعتذار؛ فالصبر على ذوي الحاجات الخاصة سائقي المركبات كمثال يحتاج لثقافة العُذر؛ والتأخر بالقيام بالواجب مثال آخر يحتاج للإعتذار؛ والهفوات غير المقصودة تحتاج للإعتذار والقبول؛ بيد أن التأخّر في دفع المتطلبات حتماً يحتاج للعُذر لمعرفة واقع الحال الإجتماعي والمالي والإقتصادي وغيرها.
5. ثقافة قبول العذر نحتاجها في كثير من اﻷحيان لتخفيف المصاب أو الحالة اﻹنسانية التي يعاني منها الطرف اﻵخر، وفيها تتجلى أسمى معاني اﻹنسانية، وربما نحتاج أحياناً لقطع الشك باليقين في بعض الحالات؛ بيد أن ثقافة الإعتذار نحتاجها للتخفيف من الإحتقانات وإطفاء نار الفتنة والوزّ تحت الحطب وكبح جماح المنافقين وأصحاب الأجندات لنسير للأمام في بيئة التصالح مع النفس والصفح والإحترام المتبادل صوب غدٍ مُشرق.
6. ثقافة قبول العذر تنعدم للأسف عند معظم الناس ولا توجد إلّا عند من عانى أو تربّى على أن يعطي العذر للآخرين، والمطلوب أن نواءم بين قبول العذر ومصداقية من يحتاج العذر في زمن أصبح فيه الحليم حيران وحالات الخداع تتجلى أكثر من الصدقيّة؛ بيد أن الإعتذار من القلب يحتاج للنفوس الطيبة والقلوب البيضاء التي تعطي من قلبها رغم تصيّد البعض وداسّي السم بالدسم.
٧. الإعتذار جرأة وعطاء ولا يصدر إلّا من أناس كبار بأخلاقهم ومحبّين لكل الناس وينظرون لمن أصغر منهم كأبناءهم وبناتهم؛ ويتطلعون للأكبر منهم كإخوانهم ويهمّهم الجميع للمسير للأفضل؛ والعُذر بالمقابل يأتي من أصحاب العقول الرصينة وأصحاب النوايا الصافية دونما تصيّد في المياه العكرة.
٨. أنا شخصياً لا أتحرّج البتّة أن أعتذر إذا شعرت بالخطأ وأصفح وأعطي العُذر إذا شعرت بخطأ الآخرين بحقي؛ ولم أذكر بحياتي أنني تعمّدت أن أخطىء بحق الآخرين ولا يمكن أن أنبري بالمبادرة بذلك؛ رغم شعوري أحياناً بتجاوز البعض دونما وعي كل الخطوط الحمراء وحتى السوداء؛ فأصفح وأسامح من قلبي ولا أجد في قلبي ذرة غِلّ والحمد لله تعالى على أحد؛ ومع ذلك لا أتردد بالإعتذار لمن شعر بأنني أخطأت يوماً ما بحقه؛ وأرجو الله مخلصاً للجميع بالعفو والمغفرة عن كل زلّاتنا وهفواتنا وأخطائنا.
٩. نتطلّع لتكون ثقافة العُذر والإعتذار بين كل الناس ممارسة إعتيادية لتؤول لحبّ الناس بعضهم لبعض؛ والتأكيد على الإحترام المتبادل لنُبعد مجتمع الكراهية والضغينة والحسد والحقد والأنانية عنّا؛ ونتطلّع للغد المشرق والمستقبل بأمل لنعطي أكثر مما نأخذ.
بصراحة: ثقافة قبول العذر يجب أن تسود لجانبها اﻹنساني المضيء، وكذلك ثقافة الإعتذار في حال اليقين بالخطأ في حال كان مقصوداً؛ وعلينا أن لا نظلم أو أن لا تأخذنا الشفقة بسبب بعض الحالات التي تستغل هذا الجانب، فهناك فعلاً أناس يحتاجون للعذر ومن حقهم أن نعاملهم بالحسنى؛ وبعض الناس يعتذرون عن طيب خاطر؛ فالحياة صفح وكرامة وإنسانية وتسامح وعذر وإعتذار.