ما زالت معظم دول العالم في عين العاصفة، حيال كورونا الذي أعاد تعريف الدولة في العالم.
الأزمة، جاءت في وقتٍ كان فيه العالم يعبر إلى مرحلة جديدة من المواطنة العالمية، وتقلصت أدوار الدول في معظم العالم، وانسحبت من الجانب الخدمي وجوانب حياة المواطنين كافة، خاصة في ضوء انتشار موجة التواصل الاجتماعي التي هدمت الأسوار كافة.
وأعادت بناء الأسوار بتسارعٍ مع الفيروس أعاد إنتاج مفهوم الدولة ليس بمفهوم زمنها السابق أيّ الدولة الشمولية التي تتدخل في جوانب الاقتصاد والاجتماع، بل بمفهوم الدولة الناجحة والدولة الفاشلة.
وهذا المعيار يرتبط بالجانب الصحي الذي هو في صلب القطاعات التي تديرها الدول عادةً بالشراكة مع القطاع الخاص (باستثناء الدول الشمولية كالصين).
هذا العبء الكبير الذي ألقي على كاهل الدول أعاد إنتاج مفهوم الدولة بأنها بادئة هي الإدارة، ومن ثم مقدرتها على تسخير الموارد وإدارتها وبالتعاون مع القطاع الخاص لديها.
فالدول الناجحة هي التي تتمكن من دمج مواردها سواء بالقطاع العام أو الخاص، مع ضبط الأخير من استغلال الأزمة.
السؤال هو : كيف سيكون شكل العالم؟
ينبري منظرون إلى الحديث عن إتجاهات جديدة لدولٍ لطالما رفضت "القطبية الواحدة"، وأنّ دولاً كالصين وكوريا الشمالية وروسيا وسواها تفرض الآن شكلاً على العالم يتسق وإنهاء هذه الحقبة التي تشكلت بعد سقوط الإتحاد السوفييتي وحرب الخليج الأولى.
ويراهن البعض على هذا التيار في مقدرته على التصدي لـ "أمركة" العالم على مدار عقود قليلة مضت.
ويرون، أنّ التجربة الأمريكية في التعامل مع الأزمة وإدارتها هي ما ستسبب بنتوءات عميقة في الدولة الأمريكية، خاصة مع "الترامبية" التي عبرت عن تيار يميني متحالفٍ بعمق مع الرأسمال وصناعة السلاح.
ولكن، النظرة ما زالت قاصرة عن إدراك أبعاد أمريكا القائمة على "عسكرة" تطال بوارجها العالم كله، وتمتد على جغرافيا واسعة.
نعم، إنّ الوباء يعيد تشكيل العالم، وشكل العالم بعد كورونا ليس كما قبله، حيث إنّ دولاً ستتراجع مكانتها وتصعد أخرى استطاعت ضبط إيقاع الأزمة وصون إنسانها بعيداً عن الجائحة.
ومرحلة التعافي العالمي ستطول، وستأخذ وقتاً حتى نرى أخبار لقاءات الزعماء تتصدر نشراتنا، ويبدو أنّ فرق الأطباء وأخبار اللقاح هي عناوين منتظرة.
نعم، إنّ العالم تغير وانماط معيشة إنسانه ستكون مختلفة عمّا سبقها، ولكن هل كنا بحاجة إلى جائحة لندرك كم أسرفنا في ترف اللامبالاة والسماح بتمدد نهج "التسليع" الذي بات إلى أفول!
ستشح الأفكار كثيراً، وسنشهد خلال سنوات حاجة إلى منظرين جدد، افتقدناهم في سنواتنا الأخيرة، وسط ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي، علهم يشرحون معايير النجاح والإدارة المستدامة للأزمة، والتي يبدو أنها أهم عناصر القيادة اليوم.
فما بعد كورونا معركة أشد ضراوة.. !