الحاكمية المؤسسية يا دولة الرئيس
د. م. محمد الدباس
06-05-2020 11:39 PM
للحكومات أدوار محددة بموجب دساتيرها وللمسؤولية الأخلاقية المناطة بها في رعاية مواطنيها من هول الأقدار، من خلال تخفيف الآثار الإقتصادية للمواطنين، والدفع باتجاه ضمان فعالية القطاع الصحي والحماية الإجتماعية للمواطنين.
هناك دور أساسي للحكومة في (الحماية المقصودة للمواطن) وقت الحالات الطارئة (كما نحن فيه الآن)، وهذا الدور ينبني عليه كلفا مالية يتوجب تأمينها، فأي كان هذا الوباء فهو يأتي (ليفاقم) أزمات إقتصادية للدول هي (أصلا) موجودة ومتأصلة فيه؛ مما يضطر دولة مثل الأردن إلى إعادة النظر في حساباتها متضمنة كافة الخطط والمشاريع المقرة مسبقا. فمثلا يقول صندوق النقد الدولي بأنه قد خصص (50) مليار دولار أمريكي، ووضعها تحت الطلب لتمول حالات الطواريء ولمساعدة الدول الجائحة منها الأردن، مما سيوفر حوالي (400) مليون دولار كتسهيلات ميسرة للمواجهة، حيث جاء على لسان مديرة الصندوق: "نريد ضمانا بأن لا يموت الناس بسبب نقص السيولة"، في حين تضع الحكومات أولويات في مجابهة هذا الوباء وضمان شفاء الناس منه، من خلال (الإغداق بالصرف) على وسائل الرعاية الصحية بغض النظر عن مدى توفر تلك السيولة وتأمين سبل العمل.
(حاليا)؛ تحتاج الدول النامية ذات الإقتصاديات الناشئة إلى "منح وقروض ميسرة"، وفي حال التوجه نحو (الإقراض) لتمويل مجابهة الآثار الناشئة عن هذا الوباء؛ فإن نسبة الإقراض الإعتيادية لتمويل المجابهة هي (الصفر) المئوي.
(التجارب السابقة) لمجابهة وباء (الإيبولا) للفترة من (2013-2016) أظهرت بأن السرعة في منح التمويل أو ما يعرف بـ (Concessional Loans) هو شيء ضروري لمحاصرة إنتشار الوباء، وبالإعتماد على القدرات الإدارية للحكومات ذات العلاقة، فإنه من الممكن مجابهة هذا الوباء وأي وباء آخر (لا قدر الله) من خلال ما يلي:-
1. وجود أو رصد مخصصات مالية لدعم الخدمات الأساسية للمواطن، وذلك لغايات المنع والتقصي والتحكم والمعالجة ولإحتواء الوباء على مبدأ: (Provide & Allocate) كما فعلت (الصين وكوريا الجنوبية).
2. تغذية المخصصات المالية باستمرار وصرف الرواتب والدعم كما فعلت: (فرنسا واليابان وكوريا الجنوبية).
3. عمل إعفاءات ضريبية (Tax Relief) كما فعلت (الصين)؛ لقطاعات النقل والسياحة والفندقة.
4. تحديث خطط العمل المستمرة لتحاكي واقع الموازنة وما هو مطلوب منها، للتغلب على الوباء وآثاره.
حيث أثبتت هذه الإجراءات أثرها المباشر في (التخفيف) من حدة الضرائب على المواطنين، (ومحاربة البطالة) مما (حفز الإقتصاد) في هذه الدول.
وبالعودة إلى (الشأن المحلي)؛ وتحديدا بعد القيادة المحكمة، فأعتقد بأن أولويات الموازنة الحالية هي العمل على إجراء (مناقلات) من بنودها، لضمان ديمومة تأمين المخصصات المطلوبة والملتزم بها، كالرواتب والتقاعدات بقيمة تصل إلى قرابة (600) مليون دينار شهريا، ودفع أقساط الدين الخارجي وبدل خدماته، والعمل على تأمين المخصصات اللازمة لمواجهة هذه الجائحة، مما سيضطر الحكومة إلى إتخاذ إجراءات (أكثر قساوة) بسبب عدم القدرة على تعويض الخسائر الإقتصادية والتي تفاقت بشكل ملحوظ، فقيم التبرعات المتواضعة وإجتهادات خفض النفقات لم تؤتي نتائجها المرجوة. وهذا يقودني إلى ما تلمح الحكومة له على لسان رئيس الوزراء من خلال ترشيق القطاع العام وضم الوزارات والهيئات (الذي طال انتظاره)، وغيرها من الإجراءات وما سينبني عليها.
(عمليا وإجرائيا)؛ فإن الأهم يا (دولة الرئيس) هو الإلتفاف إلى دور الهيئات والمؤسسات الحكومية التي ولدت (بعملية قيصرية) لا من (رحم الوطن) دون أدنى قناعة بها، والإلتفاف إلى قطاعات أخرى ليس مجالها في هذا المقام كالقطاع الزراعي (للتأمين الغذائي) مثلا، وحيث بات التصريح الحكومي (معلنا) كما هو متوقعا بأن البطالة (سترتفع) وسيتم ضبط النفقات والقضاء على الترهل الإداري كما وصفتموه، فإنني أقترح عليكم – يا دولة الرئيس - البدء الفوري في ضم الهيئات المستقلة جميعها دون إستثناء ولتوفير مخصصاتها المالية الباهظة، حيث تتطلب (المنعة الإقتصادية) ذلك، ولديكم ما تشاؤون من دواوين التشريع والرأي والقانونيين لشرعنة ذلك إستنادا إلى قانون الدفاع المعمول به، كما أنصحك بإعادة النظر الفوري (على سبيل المثال لا الحصر) بكافة مؤسسات قطاع الطاقة والتي تستنزف الوطن ماليا، وأن تراجع- يا دولة الرئيس- (شخصيا) رواتب مدراء مؤسسات قطاع الطاقة مثل: الشركة اللوجستية الأردنية للمرافق النفطية وشركة السمرا لتوليد الكهرباء وشركة الكهرباء الوطنية والتفاوت فيها، ورواتب المفوضين ومكافئات مجالس الإدارة وامتيازاتهم في الشركات المملوكة للحكومة، وقس على ذلك باقي مؤسسات الدولة، فاقتناص الفرصة (لتقاعد الموظفين) ليس هو الحل الأمثل، فالموظف هو أساس العمل العام، وهو (الجندي المجهول) وليس من هم يقفون في واجهات منصات الإعلام من المحظوظين!!، وليس غريبا عليكم بأن الموظف هو (الحلقة الأضعف) في نظر حكومتكم ليكون جزءا من الحل!!. فليس بهذه الطريقة (تحارب البطالة)، بل يتم ذلك من خلال (خلق) فرص عمل (وتنشيط) الإقتصاد، وأذكرك - يا دولة الرئيس- بنص المادة (23-1) من الدستور الأردني/"حقوق الأردنيين وواجباتهم" والتي أشارت إلى ما يلي:-
((العمل حق لجميع المواطنين وعلى الدولة أن توفره للأردنيين بتوجيه الإقتصاد الوطني والنهوض به)).
ويلاحظ من النص بأن المشرع للدستور قد ميّز بين (المواطنين والأردنيين)، حيث جاء (الحق بالعمل) لجميع (المواطنين)، في حين ألزم المشرع (الدولة) بتوفيره للأردنيين (تحديدا). متمنيا لكم "رأيا سديدا وحاكمية رشيدة؛ مستوحاة من منهاج عمل "المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات"، لتحدث (التغيير المنشود) إن كان في العمر بقية لحكومتكم الرشيدة..