قبل عدة اسابيع كان العلماء والخبراء يحذرون كبار السن على وجه الخصوص من الاصابة بفيروس كورونا المستجد, وكانوا يؤكدون أن اصابة الشباب والأطفال ستمر مرور الكرام وبأعراض طفيفة. الا أن هذه النظرة تغيرت حاليا بسبب زيادة المعرفة لطبيعة الفيروس والواقع المرير السائد في العالم حاليا حيث توفي عدد كبير من الشباب وصغار السن.
تشير البيانات التي تم جمعها يوم 14 ابريل من قبل المركزالصحي لمدينة نيورك الى ان من بين 6,839 متوفي- توفي 3 أطفال عمرهم يتراوح ما بين 0-17 عاما , 309 شاب عمرهم ما بين 18- 44 عاما, و 1581 وفاة أعمارهم بين 45-65 عاما, و 1683 وفاة أعمارهم تتراوح 65-74 عاما, في حين ان عدد الوفيات لمن تجاوزت أعماره 74 عاما كان 3263. وكانت نسبة الوفيات بين الذكور أعلى بكثير (61.8 %) من نسبتها عند النساء.
ورد في مجلة “واشنطن بوست” في التاسع من ابريل ان عدد الوفيات في عموم الولايات الأمريكية لمن أعمارهم أقل من 50 عاما تجاوزت 759حالة حتى تاريخه. الا ان المجلة اضافت ان العدد الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير لان بعض الولايات لا تعطي معلومات دقيقة حول أعمار الضحايا من الموتى.
تتحدث وسائل الإعلام العالمية عن حالات خطيرة بين صغار السن.
فقد أفادت وزارة الصحة في بلجيكا أن طفلة تبلغ من العمر 12 عامًا مصابة بالفيروس قد توفيت يوم الثلاثاء 31 مارس / آذار الماضي. وتوفيت شابة في بريطانيا ، وفي فرنسا توفيت فتاة أخرى تبلغ من العمر 16 عامًا.
وفي بريطانيا, ذكرت صحيفة ‘The Sun’أن امرأة تبلغ من العمر 21 عامًا توفيت بسبب الفيروس ولم تكن تعاني من أي أمراض أخرى. وكذلك تم الإبلاغ عن وفاة لاعب يبلغ من العمر 18 عامًا ، والذي أكد اختبارالفحص اصابته بالفيروس.
وقالت الدكتورة روزينا ألين خان ل بي بي سي ,والتي تعمل في وحدة العناية المركزة, أنها أنقذت بالفعل حياة شباب ,تتراوح أعمارهم بين ثلاثين وأربعين عامًا كانوا مصابين بالفيروس.
من ناحية أخرى, فانه من المعلوم أنه لا يسمح بنقل المصابين الى المستشفيات الا من تكون حالتهم خطيرة و تتطلب عناية حثيثة بحيث أن تركهم في المنزل يشكل خطرا على حياتهم, وخاصة في ظل ازدحام المستشفيات بالمصابين في البلدان التي تتعرض لانتشار واسع للجائحة. اضافة الى ذلك , فان الشباب في هذه الدول يحظون بالأولية في الرعاية الصحية ( وربما هذا أحد اسباب انخفاض الوفيات بين هذه الفئة العمرية).
وفقا لتقارير حديثة واردة من الولايات المتحدة ، كونها تتصدر حاليا دول العالم في عدد الإصابات والوفيات بسبب كورونا المستجد ، يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 54 عامًا الذين يتلقون العناية الطبية في المستشفيات 38 بالمائة. التقارير التي تصل إلى وسائل الإعلام لا تعطي صورة واضحة عن شدة هذه العدوى ، ولكن لا يبدو أنها مجرد أعراض طفيفة مثل “نزلات البرد”, ولا بد أن تكون خطيرة بحيث اضطر الأطباء لنقلهم للمستشفيات.
في حين تشير احدث المعلومات الواردة من الصين ان الكبار الذين يعاونون من اعراض خطيرة نتيجة اصابتهم بالفيروس تصل الى 18.5%, في حين أن نسبة الأطفال تصل الى 6 %. ولا بد من التذكير ان الطبيب الصيني “لي ون ليانغ” وهو أول من حذر من الفيروس, توفي بعد اصابته بأسابيع قليلة وعمره 34 عاما فقط.
وتظهر البيانات من إسبانيا أن أكثر من 15٪ ممن تم علاجه في المستشفيات من الفئة العمرية 20-49. في المقابل ، تشير البيانات الواردة من إيطاليا أن نسبة الوفيات بين المرضى تحت سن 60 سنة لا تتجاوز 5 بالمائة. ولكن يبدو ان سبب نجاح الأطباء (في ايطاليا) في انقاذ حياة الكثير من الشباب من الموت المحقق: لم يكن فقط قدرة أجسامهم على محاربة الفيروس ، ولكن أيضًا الرعاية الطبية الأفضل وتوصيلهم بشكل أسرع إلى أجهزة التنفس الاصطناعي مقارنة بكبار السن.
ومن هنا نداء إلى الشباب ألا يستهينوا بصرامة العزلة المفروضة ، لأن العدوى في حالتهم قد تكون أكثر شدة.
وخلاصة القول ,فان نسبة عالية من الشباب المصابين يضطرون الى دخول المستشفيات للعلاج, وأن نسبة من تتطور عندهم الأعراض بشكل مفاجيء من طفيفة الى خطيرة و تتطلب توصليهم بأجهزة التنفس الاصطناعي هي في ارتفاع مستمر بين هذه الفئة العمرية.
ولهذا يمكن الاستنتاج أن لا أحد على الاطلاق محصن من التعرض للأعراض الخطيرة والصعبة لا بل والوفاة نيتجة اصابته بالفيروس.
ويقوم بعض العلماء حاليا بالبحث عن اسباب اصابة الشباب والأطفال بالفيروس- وتعرضهم للاعراض الخطيرة والوفاة- في دراسة جينات هؤلاء المصابين. حيث يعتقد أن أحد العوامل التي من المحتمل أن تؤثر على مسار المرض هي الطفرات في جين ACE2. ففي مقال نشر في مجلة سينس العلمية ، قال عالم المناعة الدكتور فيليب مورفي من المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة, أن “التغييرات في جين ACE2 تؤدي الى تغير المستقبل (Receptor), واستتباعا لذلك يمكن أن يكون من السهل أو الصعب على الفيروس الوصول إلى الخلايا” في الرئتين والقلب.
من جهة اخرى فان من المعروف ان هناك مادة تتموضع على سطح الحويصلات الهوائية وتخفض من التوتر السطحي – وبذلك تساعد الرئتين على التمدد والانكماش ، مما يجعلها ناعمة ومرنة. بدون هذه المادة تصبح الرئة متصلبة ، وتتوقف عن العمل ، ويكتب د. سانجاي جوبتا أن هذه المادة تختفي عند بعض المرضى المصابين بالفيروس ،. فيعاني هؤلاء من مشاكل في التنفس حتى بعد وصلهم بجهاز التنفس الاصطناعي.
ومن المعلوم, أن أنسجة الرئتين أقل مرونة و الحجاب الحاجز يكون أضعف عند كبار السن وهذا قد يفسر ولو جزئيا ارتفاع نسبة الوفيات بينهم. وعليه, ربما تكون الحالة التي كانت عليها القصبات الهوائية والرئتين عند صغار ضحايا الفيروس هي التي ادت الى النتائج الكارثية . وهذا لا يتعلق بالأمراض المصاحبة – والتي غالبًا ما تصاحب الوفيات ، الا أنه من الممكن اعتبارها عاملا حاسما يزيد التنبؤ من سوء العواقب. من هنا لا بد من الانتباه الى مدى خطورة تدخين التبغ (أو استخدام السجائر الإلكترونية أو الأراجيل) على تطور اعراض الاصابة بالفيروس ، خاصة ان عادة التدخين منتشرة بين الشباب في العالم وكثير من الأطفال يتعرضون لاستنشاق دخان السجائر التي يدخنها الكبار. من المؤكد أن هذا عامل مهم وحاسم يزيد من خطر حدة أعراض الإصابة ومن الوفيات.
يحاول باحثون آخرون فهم كيفية استجابة الجهاز المناعي للفيروسات والبكتيريا بشكل أفضل. لقد تبين انه عند بعض الشباب الأصحاء ، يمكن أن يتسبب رد الفعل المفرط لجهاز المناعة في تحفيز حدوث التهابات شديدة والتي بدورها تؤدي إلى توقف عمل الرئتين والأعضاء الأخرى. وهذا يحصل نتيجة لافراز جسم المريض كميات كبيرة جدا من السيتوكونات. لا يعني هذا أن جميع المرضى وضحايا العدوى يعانون من رد الفعل العنيف هذا ، لكن البعض منهم – للأسف يصعب التنبؤ بذلك. ولهذا يعتقد بعض الأطباء الذين يعملون مباشرة مع المرضى في المستشفيات أنه في مثل هذه الحالات ، قد يكون إعطاء هؤلاء المرضى أدوية من مجموعة الكورتيكوستيرود المثبطة لجهاز المناعة مفيدًا جدا في علاجهم.
وفي محاولة للكشف عن اسباب نسبة الوفيات الأقل عند الاناث مقارنة بالذكور قام العلماء باجراء تجارب على اناث الفئران , وتم الكشف على ان هورمون الاستروجين يلعب دورا حاسما في الوقاية من الاصابة بفيروس كورونا عند هذه الحيوانات , مع ذلك , فان من الصعب حاليا الاستنتاج ان ذلك ما يحصل ايضا عند البشر. من جهة أخرى, فانه من المعلوم ان جين مستقبل ACE2, والذي يستخدمه الفيروس للدخول الى خلايا الانسان, متموضع على كرموسوم X – وحسب هذه الفرضية , فان لدى النساء القدرة على تعويض خيار واحد خاطيء كونهن يحملن كرموسومين من هذا النوع , في حين أن الرجال لديهم كرموسوم X واحد.
في الخلاصة, فانه لا يجوز للشباب التقليل من شأن الحجر الصحي. و لا يمكن للفرد, سواء كان صغيرا او طاعنا بالعمر, ان يتنبأ برد فعل جسمه تجاه العدوى. علاوة على ذلك, فانه حتى الشاب المصاب الذي لن يعاني من الأعراض الخطيرة يكون مصدرا للعدوى وربما سببا لقتل الآخرين.