تعدُد جرائم الاعتداء على منصة التعليم الإلكتروني في اليرموك
د. عبدالله أبو حجيلة
06-05-2020 03:34 PM
بالرغم مما نجم عن فيروس كورونا من إغلاق أبواب المدارس والجامعات للحد من انتشاره، إلا أن ذلك لم يثنِ هذه المؤسسات التعليمية عن مواصلة رسالتها في تعزيز وتطوير منظومتها التعليمية، حيث تحوّل تعليمها من داخل حرمِها إلى نظام التعليم الإلكتروني (E-Learning)، كبديل لإعطاء المحاضرات والحصص في القاعات التدريسية،وبشكلٍ عام فإن تطبيق أي نظام له ايجابياته ومعوقاته أحياناً - ولعل من معوقات نظام التعليم الإلكتروني عدم توفّر الأمان التقني أحياناً - فمن المحتمل انتحال هوية الطلبة أثناء إجراء الامتحانات الإلكترونية، وتعرّض بعض منصات التعليم الإلكتروني للإختراق، والقيام بأفعال منافية للآداب من قبل بعض الأشخاص كتشويش المحاضر وطلبته والاستخفاف بهم أثناء إعطاء المحاضرة – ونُذكّرهنا، بصعوبة دور المحاضر في إعطاء المحاضرة الإلكترونية ومعاناته في متابعة طلبته من خلال الوسائل الإلكترونية، إذ أن هذه الصعوبة تفوق بكثير صعوبة دوره في إعطاء المحاضرة داخل القاعة التدريسية.
وبهذا المقام، نشير إلى ما حدث على أرض الواقع في جامعة اليرموك قبل يومين - حيث دخل مجموعة من الأشخاص بطريقةٍ غير مشروعة إلى إحدى منصات التعليم الإلكتروني في الجامعة وقاموا بتشويش محاضرة رسمية لأحد أعضاء هيئة التدريس، وحيث إدعى أحدهم كذباً بأنه طالب في المحاضرة الإلكترونية، وبالنتيجة تم تحديد هويات الأشخاص الذين دخلوا إلى منصة التعليم بطريقةٍ غير مشروعة وأُلقي القبض عليهم بزمنٍ قياسي من قبل شرطة محافظة إربد وذلك بالتنسيق مع المسؤولين في الجامعة.
ولا شك إن ما تقدم يثير العديد من التساؤلات بشأن التكييف الجنائي لأفعال هؤلاء الأشخاص الذين دخلوا إلى منصة التعليم الإلكتروني وحاولوا عرقلة المحاضرة الإلكترونية وتشويشها والاستخفاف بالعملية التدريسية بمُجملها – حيث يمكن اختصار هذه التساؤلات بما يلي:
- هل يُعتبر دخول هؤلاء الأشخاص إلى منصة التعليم الإلكتروني جريمة يُعاقب عليها التشريع الأردني ؟ - وإذا أُعتبرت أفعالهم جريمة- فما هي الجريمة القائمة بحقهم؟ وما عقوبتها؟
- وإذا لم يكن هؤلاء الأشخاص طلاباً في المحاضرة وتم تمرير بعض البيانات إليهم ( ككلمة السر أو ما يسمى بـ ID ) من قبل أحد طلبة المساق بقصد دخول هؤلاء الأشخاص إلى المحاضرة لتشويشها – فهل بالإمكان دخول هذا الطالب في دائرة الجريمة؟
بعد الاطلاع على الوقائع السابقة والفيديوهات المنشورة بشأنها في بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية - فإن ذلك يشير بتقديرنا إلى قيام ثلاث جرائم بحق هؤلاء الأشخاص- وسنوضحها بايجاز كما يلي:
الأولى، جريمة الدخول إلى الشبكة المعلوماتية قصداً دون تصريح عملاً بالمادة (3/أ) من قانون الجرائم الإلكترونية رقم (27) لسنة 2015.
بتطبيق المادة (3/أ) السالفة الذكر على الوقائع السابقة يتضح قيام جريمة الدخول إلى الشبكة المعلوماتية بكافة أركانها، حيث يُشترط لقيامها توافر ركنين هما: المادي والمعنوي، ويتمثل الركن المادي، بالدخول غير المصرح به إلى شبكة معلوماتية، وهذا ما حدث فعلاً، حيث دخل هؤلاء الأشخاص إلى منصة تعليم إلكتروني وهي شبكة معلوماتية وبدون موافقة الشخص المخول بإعطاء هذا الموافقة، وهو المحاضر، وقد اتضح بعدم وجود أي موافقة لهم بالدخول إلى المنصة من قبل المحاضر.
وبالنسبة للركن المعنوي، فيشترط لتوافره وجود (قصد جنائي) للدخول إلى المنصة التعليمية ولكي يقوم هذا القصد يجب توافر عنصرين هما: العلم والإرادة، بمعنى يجب أن يعلم هؤلاء الأشخاص بأنهم دخلوا إلى المنصة وبدون موافقة المحاضر، وقد أرادوا هذا الدخول بإرادةٍ حرة، ويتضح من الوقائع أن القصد الجنائي متوافر لديهم، حيث يُستدل إليه من خلال الوقائع والفيديوهات التي أشارت بشكلٍ واضح بعلمهم بالدخول إلى المنصة وبدون موافقة المحاضر، ويظهر ذلك بجلاء حينما قاموا بأفعال وأغاني أدت إلى الاستخفاف بالعملية التدريسية،وهنا ننوه أنه من المسلم به بأن العلم والإرادة أمر باطني ولكن يمكن معرفتهما من خلال وقائع الجريمة وتفاصيلها على النحو السالف الذكر.
وما ينبغي الإشارة إليه- إن هذه الجريمة تعتبر قائمة بكافة أركانها بمجرد الدخول إلى المنصة التعليمية بدون موافقة المحاضر، ولا يشترط لقيامها حدوث أي نتيجة أو ضرر، لأن هذه الجريمة تندرج ضمن ما يسمى بـ (جرائم الشكل والخطر)- وبالرجوع إلى المادة (3/أ) من قانون الجرائم الإلكترونية السالفة الذكر يتبيّن أن عقوبة هذه الجريمة هي " الحبس مدة لا تقل عن اسبوع ولا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن (100) دينار ولا تزيد على (200) دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين".
والجريمة الثانية : هي جريمة الاعتداءعلى الحياة الخاصة بوسيلة إلكترونية وعقوبتها الحبس من ثلاثة شهور ولغاية سنة أو بغرامة من (200) دينار لغاية (1000) دينار - عملاً بنص المادة (5)من قانون الجرائم الإلكترونية- ولكي تقوم هذه الجريمة يُشترط التنصت عما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية، وسواءً أكان المرسل كتابةً أو صوتاً أو إشارة - لأن نص المادة (5) السالف الذكر جاء مطلقاً ولم يشترط بأن يكون المرسل عبارة عن بيانات أو معلومات،وهذه الجريمة قصدية، لذلك يلزم لقيامها علم الجاني بسلوكه وأن تتجه إرادته إلى تحقيق النتيجة وهي استراق السمع أو البصر، وبتطبيق هذه الشروط على الوقائع التي قام بها الأشخاص الذين دخلوا إلى المنصة نجد بأن جميعها متوافرة بحقهم، ودون الخوض ببعض التفاصيل تلافياً للتكرار.
كما ويتوافر بحق هؤلاء الأشخاص جريمة الإعتداء على الحياة الخاصة للآخرين المنصوص عليها في المادة (348 مكرر ) من قانون العقوبات ولكن يُشترط للملاحقة هنا تقديم شكوى من المتضرر وعقوبتها الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مائتي دينار، ولكن النص الأولى في التطبيق على هذه الوقائع هو نص المادة (5)من قانون الجرائم الإلكترونية إعمالاً لقاعدة الخاص يقيد العام عملاً بنص المادة(57/1) من قانون العقوبات الأردني.
أما الجريمة الثالثة: فهي جريمة توجيه رسائل منافية للآداب بوسيلة اتصالات - وتم النص عليها في المادة (75) من قانون الاتصالات رقم (13) لسنة 1995.
تشير الأفعال التي قام بها الأشخاص سالفي الذكر بقيام هذه الجريمة بكافة أركانها وشروطها، حيث يُشترط لقيام هذه الجريمة توافر ركنين هما المادي والمعنوي- ويتمثل الركن المادي لهذه الجريمة بإرسال رسالة منافية للآداب بوسيلة اتصالات، ويمكن توضيح توافر هذا الركن بما يلي :
1- تُأخذ كلمة ( رسالة) بالمدلول الواسع لتطبيق هذه المادة - حيث تشمل الرسالة المكتوبة والصوتية وحتى إرسال صورة أو إجراء مكالمة هاتفية - وهذا ما أشار إليه القضاء الأردني في أحكامه.
2- إن مجرد دخول الأشخاص إلى منصة التعليم الإلكتروني يُعني وجود اتصال إلكتروني مع جميع المتصلين بشبكة التعليم إلالكتروني، وبعبارة أخرى، فإن الشخص بمجرد اتصاله بالشبكة يستطيع استقبال وأرسال إي رسالة (بمدلولها الواسع) إلى جميع المتصلين معه في الشبكة، وذلك كما هو الحال في الاتصال الهاتفي تماماً، وبتطبيق ذلك على أفعال الأشخاص سالفي الذكر نجد أنهم دخلوا إلى شبكة التعليم الالكتروني وقاموا بالاتصال مع جميع الموجودين على هذه الشبكة.
3- قام الأشخاص سالفي الذكر وبمجرد اتصالهم بشبكة منصة التعليم بتصرفات منافيه للآداب، حيث قاموا كما هو واضح في مقاطع الفيديو المنشورة بالأغاني وقد إدعوا كذباً بأنهم طلبة في المحاضرة وتظاهروا بأنهم في حفلة عيد ميلاد بطريقةٍ استهزائية مستفزة لكل من يُشاهدها- ناهيك عن استخفافهم بالمحاضر والطلبة وبالعملية التدريسية بمُجملها- وكل ذلك يعتبر رسائل (بحسب مدلولها الواسع ) منافية للآداب، وبالتالي فإن هذه الرسائل تُكوّن الركن المادي لجريمة إرسال رسالة منافية للآداب بوسيلة اتصالات وفقاً لنص المادة (75) من قانون الاتصالات.
ويقتضي لقيام هذه الجريمة وجود الركن المعنوي وصورته القصد الجنائي، الذي يُشترط لتوافره علم هؤلاء الأشخاص بأنهم يقومون بارسال رسائل تحتوي على ما يعتبر مخالف للآداب، ويقومون بعملية ارسال الكلام بشكلٍ إرادي، وكما أشرنا فيما سبق فإن عنصرا العلم والإرادة يُستدل عليهما بسهولة من التصرفات المنافية للآداب التي صدرت عن هؤلاء الأشخاص- وفيما يتعلق بعقوبة هذه الجريمة فقد عاقبت عليها المادة (75) من قانون الاتصالات بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن (300) دينار ولا تزيد على (2000) دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين.
وبالنسبة للمسؤولية الجنائية للطالب الذي قام بتمرير بيانات الدخول إلى منصة التعليم ( ككلمة السر أو ما يسمى بـ ID ) إلى الأشخاص سالفي الذكر بقصد الدخول إلى المحاضرة وتشويشها (على فرض ثبوت ذلك )- فهذا الطالب يعتبر داخلياً في دوائر الجرائم الثلاث السالفة الذكر باعتباره متدخلاً فيها لكونه سهّل ارتكابها من خلال تمريره بعض بيانات الدخول إلى منصة التعليم- إذ لولا فعله هذا لما تمكن تلك الأشخاص من الدخول إلى منصة التعليم الإلكتروني، وذلك عملاً بالمادة (80/2) من قانون العقوبات الأردني، ولكن لقيام مسؤولية الطالب المذكور يتعيّن توافر القصد الجنائي لديه، بمعنى يجب توافر علمه حينما مرر البيانات التي سهلت الدخول إلى المنصة بأن هؤلاء الأشخاص سيقومون بتشويش المحاضرة ويتصرفون بتصرفات منافية للآداب،ويجب أن تتوافر إرادته الحرة حينما أعطاهم بيانات الدخول إلى منصة التعليم.
وخلاصة القول : أنه وفي حال ثبوت الجرائم السالفة الذكر فإن ذلك يُشكل حالة التعدد المادي للجرائم المنصوص عليها في المادة (72) من قانون العقوبات الأردني، ويجب على المحكمة المختصة بمقتضى هذه المادة إما جمع عقوبات الحبس المقررة لهذه الجرائم أو الحكم بأشدها وهي عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر ولغاية سنة المقررة بنص المادة (5) من قانون الجرائم الإلكترونية.