على هامش مقابلات فيك فانس مع الحسين
أ.د. سعد ابو دية
28-01-2010 11:18 AM
على هامش مقابلات فيك فانس مع الحسين
(حربنا مع إسرائيل)
حزيران 1967
مقابلة فيك فانس وبيار لويس:
يقولون أن اسرائيل قالت كل شيء عن الحرب الخاطفة في حزيران 1967 ولكن العرب في جانب آخر فيه غموض فقد ظل جزء من الحرب غامضاً وليس مجهولاً.
جاء صحفيان فرنسيان للأردن بعد الحرب وقابلا جلالة الملك الحسين رحمه الله مقابلات طويلة مسجلة على أشرطة لم نعثر عليها بعد وما زال الكاتب فيك فانس موجوداً. اتصلت به ابنتي وسالته عن التسجيلات ولكنه لايستطيع البحث عنها و كبر في السن
وقد حضر المقابلات ورتب لها الأخ معتصم البلبيسي ويتذكر الكثير عن تلك المقابلات وكأنها جرت يوم امس وقد تحدث باسهاب عن أهميتها وقد حضرها ورتب لها بين الحسين وفيك فانس ولم يشارك فيها بيار لويس مباشرة ولكن كان موجودا .لقد خرج المقابلات في كتاب أطلق عليه "حربنا مع إسرائيل"، وقد ترجم إلى العربية عن طريق دار النهار بيروت.
شهادة الحسين ذات قيمه عظمى:
لقد اعتبر المؤلفان أن شهادة الحسين رئيسية وذات قيمة عظمى، لقد شملت المقابلات لقاءات مع وصفي التل وزيد الرفاعي وكان رئيس التشريفات الملكية آنئذ. لن أتحدث عن مضمون الكتاب كاملاً ولكن سنعلق على بعض ما ورد فيه ونضيف إليه.
ملاحظة
أختلف مع الفرنسيين أن الجانب في الغموض هو الجانب العربي إذ أن الحرب مازالت تحمل في طياتها الكثير من الغموض. وعلى سبيل المثال حادثة السفينة ليبرتي الأمريكية التي قصفتها إسرائيل في الحرب، لقد كتب محمد حسنين هيكل عن هذه الحادثة ولكن ما زال الغموض يكتنف هذا الحادث ولماذا تضرب إسرائيل سفينة أمريكية قبالة السواحل الفلسطينية. لقد أُتيح لي أثناء دراسة الماجستير في الولايات المتحدة وبعد زيارة قاعدة أمريكية بحرية أن ألتقي مع قائد الأسطول الأمريكي في حفل استقبال وسألته عن حادثة السفينة ليبرتي وقال أنه لا يذكر التفاصيل، ولما سألته السؤال بطريقة أخرى أجاب بنفس الطريقة الدبلوماسية.
العرب في ظلام دامس:
ولقد تحدث الأستاذ الدكتور خيري عيسى عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة أثناء لقاءتي الطويله معه أن هناك الكثير من الدلائل التي لو انتبه لها العرب أو حلفائهم لعرفوا أن الحرب ستقع وأن قناة السويس ستغلق، مثلاً النشاط الكبير في التنقيب عن النفط في دول غرب مصر، وبناء ناقلات نفط عملاقة لا تستطيع المرور في قناة السويس، وهناك دلائل أخرى مثل هذه الدلائل لم ننتبه لها، فالحرب تم التخطيط لها على مستوى عال وتم الأخذ بعين الاعتبار إغلاق قناة السويس إذا قامت الحرب وتم إغلاق القناة فإن إستيراد الغرب للنفط لن يتأثر إذ أنه سيتم عن طريق رأس الرجاء الصالح وللأسف لم ينتبه المصريون بالذات لذلك إلا بعد فوات الأوان.
الملك المؤسس يضع الانجليز امام الامر الواقع:
كان الإسرائيليون يعدون العدة للحرب إعداداً جيداً لتحقيق عدة أهداف لم يحققوها في حرب 1948 مع الأردن إذ احتفظ الأردنيون بالقدس بعد قرار الملك المؤسس بالاحتفاظ بالقدس مهما كلف الثمن اذ شكل مجلس وصاية استعدادا للقتال وللشهاده وامام هذا الجد استعد السفيروقائد الجيش كلوب و الضباط الانجليز لذلك وفي الجيش آنئذ 96 ضابط بريطاني واي هزيمة للجيش لاسمح الله هي هزيمة لبريطانيا لقد وضع الملك الانجليز امام الواقع و لا يمكن أن تجعل بريطانيا هذه الأمور تسير دون أن تتدخل بطريقه فعاله في الحرب وتم قطع الطريق على الاسرائيليين بمنع النجدة عنهم وتمركزت الكتيبة الرابعه في باب الواد وقد جعل الملك المؤسس التدخل أمراً واقعاً لا خيار فيه وهنا امام الامر الواقع الذي فرضه الملك وامام رغبة بريطانيا ان لاتلحق بالجيش هزيمة لاسمح الله ونجح في ذلك الجيش واحتفظنا بالقدس ويومها تجلت العسكرية الاردنية في ابهى صورها التاريخيه كانت الفرحة الكبرى فرحة الملك واني على ثقة ان هذه اللحظة اسعد لحظات في حياة الملك المؤسسعلى الاطلاق .يصف لك الشيخ محمد الشنقيطي كيف اخبره الملك انه احتفظ بالقدس و كيف حرك الملك يديه وباقي جسمه بسرور لايوصف ليتني استطيع ان اصوره للقارئ .
الثأر
لكن ظل الاسرائيليون يترقبون. اسرائيل تريد القدس والضفة وتحقق مالم يتحقق عام 1948
وبالنسبة لمصر فإن إسرائيل تريد ان تأخذ سيناء وتفتح الممرات أمام الملاحة الإسرائيلية وتحقق ما لم تحققه في عام 1957 عندما أجبرت على الإنسحاب من سيناء وهكذا فان اسرائيل تتوق لحرب جديدة عام 1967. وفي سياق هذا الإعداد فإن الدول الغربية قاطبة لم تكن ضد إسرائيل
تعبيد الطرق للحرب:
وقد عملت الدبلوماسية الإسرائيلية على تعبيد الطرق تعبيداً جيداً. لقد ذهب أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل الأسبق إلى شارل ديغول الرئيس الفرنسي ليأخذ دعمه للحرب ولكن ديغول كان صريحاً ولم يقتنع بما عرضه عليه أبا إيبان. وهنا طلب إيبان منه أن لا يضع الإشارة الحمراء وأن تكون الإشارة برتقالية إذا لم تكن خضراء وفي حديث خاص مع كمال الحمود أمين عام وزارة الخارجية الأسبق ذكر لي أن السفن الإسرائيلية التي مرت في مضائق تيران خلال عام 1957 و 1967 هي سفينة واحدة فقط. لم أتأكد من هذه المعلومة ولكن من المؤكد أن التخطيط كان على قدم وساق للحرب من إسرائيل وحلفائها.
مزايا كتاب فانس
أن الكتاب والمقابلات تمت بعد الأحداث مباشرة والمعلومات طازجة جداً والحدث يتفاعل والأشخاص موجودون أنفسهم وهكذا جاءت المعلومات مفيدة جداً، لقد تحدث الحسين في الكتاب عن الحرب والظروف التي سبقتها خطوة بخطوة لكن بعض الأحداث لم يتطرق لها الكتاب وما زالت غامضة مثلاً حادث تفجير الرمثا الذي راح ضحيته بعض المدنيين يوم 21/5/1967 ساهم في قطع العلاقات مع سوريا وجعل التنسيق مع مصر فقط، علماً أن العلاقات مع مصر كانت متوترة، وبالنسبة لهذا الحادث فقد حدثني مسؤول أردني أن سوريا في وقت لاحق ذكرت للأردن أنه لا علاقة لها بهذا الحادث علماً أن الحكومة التي نفت هي على خلاف مع الحكومة السابقة التي وقع الحادث في عهدها ومن صالحها الصاق الحادث بها .
تتابع الأحداث
تلاحظ أن الأحداث تتابعت بسرعة وأن الأردن كان يبادر في ملاحقة الحدث، على سبيل المثال يوم 19/5/ 1967 تم سحب قوات الطوارئ الدولية بين مصر وإسرائيل وحلت محلها قوات مصرية وجهاً لوجه مع القوات الإسرائيلية وفي يوم 21/5/1967 استدعت إسرائيل الإحتياط، وفي يوم 22/5 أغلق الرئيس المصري عبدالناصر مضائق تيران وهنا أخبر الملك زيد الرفاعي أن الحرب أصبحت أمراً واقعاً، وفي يوم 24/5 أيد الأردن مصر وأوقف الملك الحملات الإعلامية على مصر وطلب دعم سعودي عراقي ولم توافق العراق وفي يوم 28/5 ألقى عبدالناصر خطاباً شهيراً أعلن استعداده للحرب وبعد هذا الخطاب أرسل الملك رئيس الأركان عامر خماش إلى مصر من أجل التنسيق في القيادة العربية الموحدة ولكن عامر لم يوفق في مهمته، وذكرت مصر أنها تنسق مع سوريا تنسيقاً ثنائياً وهنا استدعى الملك السفير المصري وأبلغه برغبته بمقابلة عبدالناصر وفي يوم 30/5 سافر إلى مصر ومعه سعد جمعة رئيس الوزراء وصالح الكردي رئيس سلاح الجو وعامر خماش رئيس الأركان ووقع اتفاقية ثنائية مع مصر وكانت نفس اتفاقية مصر مع سوريا إذ وقع عليها الملك بسرعةا، وفي 1/6 وصل عبد المنعم رياض رئيس هيئة الأركان للقيادة العربية الموحدة ليتولى قيادة القوات العربية في الأردن، وفي 3/6 انضمت العراق إلى مصر والأردن في اتفاقية مماثلة وفي 5/6 هاجمت إسرائيل الدول العربية مجتمعة بدأت بمصر ثم الأردن وسوريا، وكانت كارثة للجيوش العربية وخسارة للأراضي التي احتلتها إسرائيل وهي سيناء والجولان والضفة الغربية ومنذ ذلك اليوم تغير الهدف الاستراتيجي العربي وأصبح الهدف استرداد الأراضي التي تم احتلالها عام 1967 بدلاً من استرداد كامل التراب الفلسطيني وتغيرت الوسيلة فأصبحت الدبلوماسية بدلاً من القوة العسكرية وحتى في الدبلوماسية ظهر الغموض إذ أن النص الإنجليزي في قرار 242 الصادر عن مجلس الأمن يشير إلى أراضي وليست الأراضي ، ويشير إلى اللاجئين دون أن يقول اللاجئين الفلسطينين
ماذا قال لي محمود رياض :
لقد سألت وزير خارجية مصر محمود رياض أثناء زيارة من زيارته إلى الأردن كيف وقعوا في فخ صياغة كلمة الأراضي فأجاب أن اللورد كاردون الذي صاغ القرار قال لهم أن الولايات المتحدة ستضع فيتو إذا كتبوا الأراضي وطلب منهم أن يقبلوا بكلمة أراضي وفاتني أن أسأله عن اللاجئين. وهكذا فإن عدم التنسيق العربي والقرارات العربية المتسرعة وعدم التخطيط أوقعنا في هزيمة تاريخية هزت مسموعات العرب في الخارج في حين أن التخطيط السليم والإرادة الصحيحة جعلت الاردن ينتصر عام 1948 ويكبد الاسرائيليين خسائر فادحه و جعلت الاردن ينتصر في الكرامه عام 1968 وجعلت جنوب لبنان عام 2006 يستوعب الهجوم الإسرائيلي لمدة أكثر من شهر بإمكانيات أقل بكثير من إمكانيات العرب العامة التي كانت موجودة أمام قوة إسرائيلية أقوى من قوة إسرائيل عام 1967