يغيب في هذا الشهر ما اعتاد عليه الأردنيون من "حراك رمضان" الذي امتد على سنوات –قبل الدوار الرابع 2018-، حيث كان المحتجون يحتشدون في المحافظات معلنين رفضهم الرمضاني، لسياسات الحكومات ونهجها.
الحراك لم يتمأسس طوال العقد المنصرم لا على الصعيد العمّالي ولا الشعبي البحت، وفشل في حشد دعم دائم، نظراً لعدة أسباب تمحورت حول "دهلزة" حكومية لإعادة إخراج ذات النهج السيء بصور مختلفة تتغير فيه الشخوص لكن الإطار واحد.
في حين كان للحكومة دور في الضغط وبصور تعددت في الوضوح والمواربة على الناشطين لإبعادهم عن الساحة، في صورة تسطيحية لـ"بؤر" الحراك لاعتبار أنه يعتمد على أشخاص وليس على أفكار وعناوين واضحة، علماً أن ما قدمه المحتجون على الدوار الرابع نهاية عام 2018 وبعد مرور قرابة نصف عام على حكومة الرزاز كان مشروعاً شعبياً مفصلاً، استقر على "تغيير النّهج، ومصدرية السلطات، والعدالة الاجتماعية".
الحكومة المنفتحة اقتصادياً المنغلقة سياسياً، أو "الملبرلة" على المال، "المبرقطة" على السلطة، اعتمدت على إغلاق الفضاء المدني من خلال عدة وسائل، كان أهمها إعطاء مساحات شكلية للمؤسسات في المجتمع المدني والأفراد في التأثير على صناعة القرار، وإشغالهم بمعارك هامشية تعتمد "ترند" أو الأكثر تداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي، كما وعمدت في ذات الحين، على تخوين الناشطين بين بعضهم، وفككت صفوفهم وأغرت بعضهم، وشوهت صور البعض الآخر، ورفعت من قيمة الكثيرين ممن لا يجيدون أكثر من مجرد الجعجعة في فناجين خصصت لأجلهم، ووجهت –حينما شعرت بالخطر- سيلاً من التهم والظنون الجزائية بحق الآراء السياسية وكيّفتها على لوائح من "خدش" التناغم الوطني، الذي يسهل لا شك تياراً من الفساد بأشكاله المتجددة على مبدأ "عدم الاكتراث بالناس".
فصار الحراك "رد فعل" بدلاً من أن يكون صافرة بداية لإعلان الأمة عقداً اجتماعياً جديداً يحترم حقوق الناس وحرياتهم وآمالهم في تنمية حقيقية وأمان يحرس جيوبهم أيضاً.
رد الفعل هذا نفسه، الذي حوّل الناشطين إلى "صادّ للصدمات" لسيارات "تيسلا" الفاخرة التي يمتطيها وزراء التأزيم، فصارت الحرب التي يشنونها، تضرب بـ"نيران صديقة" ناشطين مثلهم، بل وتذهب بهم بعيداً لدعم الجهود الأمنية في تخوين آرائهم.
الألفة التي جمعت كل الأردنيين والأردنيات على الدوار الرابع لشهور طويلة تحت سكب المطر، تمكنت السلطة التنفيذية -المتغولة على كل السلطات وعلى الأمة ذاتها- من تفكيكها بكل بساطة بتفريغ طاقة الوضع التي اختزنها المحتجون قرب رئاسة الوزراء، بانعدام الأولوية أو "اختيار معاركهم" السياسية، وهذه عدوى نقلتها الحكومات الفاقدة للأولوية للشارع. فبالرغم من كل التأزيم الذي تغص به حكومة الرزاز، التي تكمل مع رمضان عامين من العمر، أنقذتها كورونا من غضب الشارع، وكان قبلها فيروس "انعدام الأولوية".