في الطريق إلى التعافي من آثار كورونا
فيصل تايه
05-05-2020 01:24 PM
تمكن الاردن من التعامل مع الوضع الوبائي جراء جائحة كورونا بهمة وباقتدار ، وذلك بفضل نظام صحي على ثقة عالية بامكاناته ، بالاستعانة بالكوادر البشرية والخبرات الأردنية التي ابلت بلاءً حسناً ، فما قامت به من جهود استباقية بذلتها لاحتواء الفيروس والحد من انتشاره منذ بداية ظهوره ، إضافة لحسن إدارة النظام الصحي ضمن خطط تأهبية استعدادية واضحة ، استجابة للطوارئ الصحية الوبائية ، كل ذلك كان له السبق في تجنب انتشار هذا الوباء اللعين .
لقد تمكن الاردن ولله الحمد منذ اللحظة الأولى التي تم الإعلان فيها عن الوباء كجائحة عالمية ، من تعزيز نظامه الصحي ، فالاردن اليوم وبفضل الرعاية الملكية السامية يمتلك نظاماً صحياً متقدماً وراسخاً للغاية ، يقدم خدمات رعاية صحية عالية الجودة ، حيث وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية بكوادرها عالية التدريب استطاعت بادارات مؤسساتها الصحية ذات التجهيزات اللازمة من التعامل مع مختلف مستويات هذا الوباء بين المصابين ، وتتبع الحالات الواردة من منافذ الدخول ، والتعرف على الحالات الإيجابية وتقديم الرعاية الصحية المناسبة لها ، بدءاً من العزل والخدمات العلاجية الأخرى ، إضافة الى تتبع المخالطين لتلك الحالات وتقديم الحجر أو العزل المناسب ، في حين تأهبت الحكومة لاي طارئ في حالة ارتفاع أعداد الحالات -لا قدر الله- بتجهيز المستشفيات الحكومية والعسكرية منها والخاصة ، إضافة لتقوية الثقافة الصحية لدى أفراد المجتمع ، وتقديم خدمات التوعية ، والحرص على الشفافية ، من خلال عقد إحاطات صحفية متكررة وبث الرسائل الصحية لتوعية المواطنين من خلال المركز الوطني للامن وإدارة الازمات .
لقد تمكن الاردن خلال الفترة الماضية وبهمة ابنائة من التعامل مع هذه الجائحة باقتدار وكفاءة عالية ، والحيلولة دون الانتشار السريع للفيروس من خلالها اتخاذ كافة التدابير الضرورية ، وتعبئة موارده البشرية للاستجابة للجائحة ، اضافة لاتباع نهج يمنع تحوُّل الإصابة الفردية إلى إصابة جماعية ، والحيلولة دون انتقال العدوى على مستوى المجتمع ، من خلال مضاعفة جهود فرق التقصي الوبائي وترصد حالات الإصابة واكتشافها وفحصها مختبريا وعلاجها وعزلها وتتبُّع مُخالطيها ، وتعزيز الوعي والمشاركة المجتمعية واتباع نهج يشمل كل قطاعات الدولة وكل فئات المجتمع.
ان تجربتنا في التعامل مع فيروس كورونا على مدى الفترة الماضية تجلت بالشفافية والوضوح في الكشف عن أوضاع كورونا ميدانياً ، والإبلاغ الدقيق والفعال والآني عن حالات الإصابة والنهج المتبع للمواجهة ، مع الحرص على اتباع آليات الإبلاغ عبر اللوائح الصحية الدولية وتبادل المعلومات والخبرات مع غيرنا من البلدان ، ومع منظمة الصحة العالمية ، فالدول التي أعلنت لمواطنيها أعداد الحالات ودرجة الجاهزية وجهود الاستجابة والسيناريوهات المتوقعة هي الدول التي تمكنت من تحقيق نتائج إيجابية على طريق احتواء الفيروس .
اما الان .. ونحن في الطريق إلى مرحلة التعافي -بفضل الله- ، لا بد أن نعمل بقدر الإمكان على قياس أثر الأزمة ومحاولة الاستفادة منها بما يؤدي إلى تخفيف الأثار التي خلفتها ، والعمل بكل همة ومسؤولية على العودة سريعا لاستعادة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية واستدامة النمو ، وهذا ما سعت اليه الحكومة ، فالأزمة ليست يسيرة ، وهي للأسف تحمل نتائج أضخم بكثير مما توقعته دول العالم والتي خلفت تشاؤما على الاقتصاد العالمي بشكل لم يشهده.
يجب أن نعي تماماً ان هذه الأزمة ستبقى قائمة ما لم يتمكن العالم من الحصول على لقاح أو علاج لهذا الوباء ، فالجميع في حالة ترقب لشكل الاقتصاد العالمي بعد الأزمة وخطورة خضوع بعض الدول لتقييم متدن في معالجتها ، ما ادى تلقائيا إلى أن يتأثر اقتصادها الوطني بشكل كبير خصوصا مع كل الإجراءات الاحترازية التي اتخذناها وبعد حدة هذه الأزمة وتأثيرها السلبي ، لكن من يراقب جهود الدولة الأردنية وقدرتها على احتواء المرض وآثاره لن يتوقف على الجانب الصحي فقط ، بل يتطلب تقييم شامل لقدرة الحكومة على إدارة الأزمة ومستوى الوعي داخل مجتمعنا الأردني الواحد ، إضافة إلى القدرة على التوزيع الأمثل للأنشطة الاقتصادية، فمنذ الأساس عملت حكومتنا الرشيدة بمسؤولية تامة على فرز للأنشطة التي يفترض ألا تتوقف بسبب الأزمة ، وصنفت الأنشطة التي يمكن أن تستمر بعد اتخاذ إجراءات محددة ، والأنشطة التي ينبغي أن تتوقف تماما ، وهذا دلّ على قدرة الدولة على وضع خريطة فاعلة للأنشطة الاقتصادية والقدرة على تسييرها خلال الأزمة بما يقلل من الآثار والنتائج ، اضافة للاهتمام بالأنشطة الاقتصادية التي تستفيد في كثير من الأحيان من حالة انتشار الوباء ولا تتضرر في حال اعتدال الأحوال -لا قدر الله- ، اضافة الى الاستفادة من التقنية الحديثة للقيام بالمهام التي يمكن أن تنشط من خلال العمل عن بعد.
ان القدرة على التعافي سريعا من هذا الوباء واستدامة النمو واستقرار الأنشطة الاقتصادية والحد من الآثار الاجتماعية السلبية يتطلب قدرات اقتصادية على قدر من المسؤولية لتخفيز الاقتصاد وتقديم مجموعة من المبادرات وحزم المساعدات ، لتكون متزامنة مع الإجراءات الحكومية فيما يتعلق بالتعامل مع الجائحة للحد من حالات الإفلاس أو الأضرار الشديدة التي يمكن أن تصيب بعض القطاعات التجارية والمهنية والشركات خصوصا الناشئة ، لذلك فقد عملت الحكومة وضمن معايير مهمة ، وذلك لتتمكن من تقديم صورة جيدة في مواجهة الأزمة ، وصولاً إلى نتائج إيجابية لسمعة الاقتصاد الاردني ، وذلك بإبراز قدرتها على إدارة هذه الأزمة بكفاءة ومسؤولية ، من خلال تمكنها في التنسيق بين المؤسسات الحكومية المختلفة والقطاع الخاص والاستدامة في بعض الخدمات الحكومية الهامة والأعمال الضرورية في القطاع الخاص ، والتي لا يوجد حاجة إلى توقفها ، فكانت أجهزة الدولة المختلفة تعمل على قدم وساق رغم إغلاق معظم مؤسسات الدوائر الحكومية ، اضافة الى أن الخدمات المالية لم تتوقف بل قدمت حلولا أكثر سرعة وفاعلية استجابة لكل المتغيرات وفي فترة قصيرة جدا دون ارباك او تعثر ، إضافة على القدرة على حماية الأنشطة داخلها بما يخفف من حجم المخاطر التي يمكن أن تؤثر في الأنشطة الاقتصادية محليا في المستقبل ، كما وأن مستوى الوعي المجتمعي أسهم بصورة كبيرة في تطبيق تلك الإجراءات إضافة إلى كفاءة وفاعلية الإجراءات الصحية الوقائية .
يجب أن لا نتوهم أن العالم سيتغير بشكل جذري في أسلوب الحياة التي كان عليها قبل جائحة كورونا ، فذلك ضرب من المبالغة في التوقعات ، لكن قد تجد بعضاً من القطاعات الاقتصادية تنمو وتتحول نحو خطوات أكثر سرعة ، كما أن قطاع السياحة يمكن أن يشهد وسائل ترفيه من خلال وسائل التقنية لتكون لها فرصة أكبر في النمو والتطور ، وسيتخطي هذه الازمة العالمية باسرع ما امكن -باذن الله- ، حتى يتمكن هذا القطاع من استعادة عافيته ومساهمته الفاعلة بالاقتصاد الوطني ، فالظروف الاستثنائية هي ظروف جبرية يمر بها العالم اجمع وليس الاردن وحده ، والتي تفرض على الجميع التفكير بطريقة مختلفة .
واخيراً .. فان كل مرّ سيمرّ باذن الله ، ولا ينبغي ان يكون هناك تشاؤم في تغيير جذري ، والاقتصادات الأكثر قدرة على الصمود في هذه الأزمة ، ستكون الأسرع تعافيا منها، وهنا تأتي أهمية ما اتخذته الحكومة من إجراءات ، والأهم في هذه المرحلة الحفاظ على ما تحقق والحرص على الخروج بأقل الخسائر البشرية والصحية والاجتماعية والاقتصادية ، ما سيكون له الأثر في سرعة التعافي وبجاذبية أكبر للفرص في العودة إلى حياتنا الطبيعية مستقبلا .
والله المستعان