مدى مشروعيىة أمر الدفاع رقم 6 لسنة 2020
المحامي الدكتور محمد عبدالله الظاهر
05-05-2020 03:27 AM
ما من شك أن وجود السلطة ضرورة لبقاء المجتمع واستمراره، وأنه بدون السلطة ينهار المجتمع وينتهي ويتلاشى، وبطبيعة الحال فإن السلطة المقصودة هنا هي السلطة المستمدة من القانون التي تمارسها الدولة وفقا لمبدأ المشروعية، بمعنى أن تكون دولة قانون يحكم فيها القانون كافة تصرفات الأفراد والسلطة على حد سواء، وهو ما يؤدي الى القول بأنه لكي يكون تصرف السلطة مشروعا ومقبولا فانه يجب أن يتطابق مع حكم القانون الذي يتعّين أن يسود وتخضع له تصرفات السلطة كما يخضع له الأفراد.
فأساس مبدأ المشروعية ومقتضاه هو وجوب التزام الإدارة بحكم القانون في كل أنشطتها وتصرفاتها، فالدستور هو القانون الأعلى في النظام القانوني ومقتضى هذا وجوب التزام السلطة التشريعيةبأحكام الدستور، فلا يجوز للسلطة التشريعية أن توافق على تشريع أو قانون لا تتفق أحكامه مع أحكام الدستور، ذلك أن المشرع ملتزم حين يوافق على القانون أن تتوافق أحكامه مع أحكام الدستور، كما أن الإدارة ملتزمة باحترام أحكام القانونفي نشاطها طالما أن أحكامه تتوافق مع الدستور، كل ذلك تجسيدا لمبدأ المشروعية وإعمالا لمبدأ تدرج النظام القانوني، والذي يعني ضرورة التزام القاعدة الأدنى بحكم القاعدة الأعلى، فالقانون العادي في مرتبة أقل من الدستور، ومن هنا يجب أن لا يخرج القانون العادي على حكم الدستور،وكذلك اللائحة التنظيمية والأوامر والقرارات في مرتبة أدنى من القانون العادي، ومن ثم فلا يجوز لها مخالفته،وهكذا.
وعلى ذلك فإن مقتضى مبدأ المشروعية هو التزام السلطات العامة والإدارية منها بحكم القانون في تصرفاتها، أي أن تصرفاتها المادية والقانونية يجب أن تكون مطابقة لحكم القانون بل ومتفقة مع الفهم الصحيح للقانون،ويترتب على ذلك خضوع اللائحة التنظيمية والأوامر والقرارات للقانون العادي وللدستور،فلا يجوز أن تتضمن أحكاما تخالف أو تعدّل أو تعطّل نصا أو حكما ورد في التشريع أو في الدستور.
وبالنظر الى أوامر الدفاع الصادرة عن رئيس الوزراء بمقتضى قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992، فإنه يتعين لفحص مشروعيتها ضرورة بيان الطبيعة القانونية لها، وهو ما يتطلب البحث في الاساس القانوني لصلاحيات رئيس الوزراء في اصدار اوامر الدفاع بموجب قانون الدفاع المذكور، فنجد أن المادة 124 من الدستور قد منحت رئيس الوزراء صلاحية تعطيل (وقف تنفيذ) بعض نصوص القوانين من خلال أوامر الدفاع الصادرة بموجب قانون الدفاع والتي تعد بطبيعة الحال قرارات ادارية صادرة لغايات محددة وهي اتخاذ التدابير والاجراءات لمواجهة حالة الدفاع عن الوطن، وقد أكدت المادة 3 من قانون الدفاع على هذا الحكم الدستوري بنصها بأن يمارس رئيس الوزراء صلاحياته المنصوص عليها في هذا القانون دون التقيد بأحكام القوانين المعمول لها، كما جاءت المادة 10 من قانون الدفاع بذات المعنى عندما أوقفت العمل بأي نص أو تشريع يخالف أي حكم من أحكام هذا القانون والأوامر الصادرة بمقتضاه، ولما كان المبدأ المستقر يقضي بعدم جواز إلغاء قاعدة قانونية إلا بقاعدة قانونية أخرى مماثلة لها أو أعلى منها، فإنه يمكن القول بأن أوامر الدفاع الخطية وإن كانت تصدر من رئيس الوزراءعلى هيئة قرارات ادارية، الا انها تحتل مرتبة أعلى من مرتبة القرارات الإدارية العادية لأن هذه الاخيرة لا تتمتع بأي قوة تمكّنها من وقف العمل بالقوانين العادية، وهو ما يقودنا الى القول أن أوامر الدفاع الخطية التي تصدر عن رئيس الوزراء بموجب قانون الدفاع تتمتع بقيمة قانونية خاصة تشكل نوعا آخر من مراتب القواعد القانونية، فهي ليست بمرتبة القانون كونها لا تصدر من السلطة التشريعية، كما أنها ليست قرارات إدارية عادية لأنها توقف العمل بنصوص بعض القوانين النافذة في الدولة الدولة، وعليه يمكن القول أن أوامر الدفاع الخطية الصادرة عن رئيس الوزراء بمقتضى قانون الدفاع هي قواعد قانونية ذات طبيعة خاصة من حيث أثرها على الوقف المؤقت لعمل القوانين العادية أو أي نص قانوني آخر يتعارض معها،على أنه وبالرغم من الطبيعة والقيمة القانونية الخاصة التي تتصف بها اوامر الدفاع على النحو المذكور، الا أن هذه القيمة لا تمنح أوامر الدفاع صلاحية وضع قواعد قانونية جديدة عوضا عن أحكام ونصوص القوانين التي تم ايقاف العمل بها، بل أن أثرها يبقى محدداً في نطاق تعطيل بعض النصوص القانونية في التشريعات النافذة وبما يضمن تأمين الدفاع عن المملكة لمواجهة حالة الدفاع عن الوطن، كما أنه ليس لأوامر الدفاع أن تخالف أحكام الدستور أو قانون الدفاع ذاته الذي تصدر بمقتضاه، والا كانت فاقدة لمشروعيتها.
وبالعودة الى بعض ما تضمنه أمر الدفاع رقم 6 الصادر بمقتضى قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992، وعلى وجه الخصوص ما جاء في البند أولا الذي تقرر من خلاله استحقاق جميع العاملين في مؤسسات ومنشآت القطاع الخاص أو أي جهة أخرى خاضعة لقانون العمل أجورهم المعتادة عن الفترة من 18/3/2020 ولغاية 31/3/2020 في الوقت الذي توقفت فيه مؤسسات ومنشآت القطاع الخاص عن العمل بصورة كلية، كذلك ما جاء في البند رابعا/هـ الذي منح الحق لصاحب العمل في المنشآت المصرح لها بالعمل بصورة جزئية بالنسبة للعاملين غير المكلفين بالعمل او تلك المنشآت المشمولة بقرار التعطيل ولم يصرح لها بالعمل بدفع ما لا يقل عن 50% من قيمة الاجر المعتاد لهؤلاء العمال على ان لا يقل عن الحد الادنى للأجور، نجد أن أمر الدفاع المذكور جاء مخالفا لمبدأ المشروعية، حيث انطوى على مخالفة صريحة لنص المادة 124 من الدستور التي حددت صلاحيات رئيس الوزراء بتعطيل بعص نصوص القوانين من خلال اوامر الدفاع، دون أن تمتد الى صلاحية التشريع أو وضع قواعد قانونية ناظمة للعلاقات المختلفة ومن ضمنها علاقات العمل من حيث تحديد اجور ورواتب العاملين بناء على استمرار العمل او توقفهبصورة جزئية او كلية، وتأكيدا على ذلك فقد خالف أمر الدفاع رقم 6 قانون الدفاع ذاته الذي قضى في المادة 11 منه بأنه اذا تعذر تنفيذ اي عقد او التزام بسبب مراعاة احكام هذا القانون او اي امر او تكليف او تعليمات صادرة بمقتضاه او بسبب الامتثال لهذه الاحكام فلا يعتبر الشخص المرتبط بهذا العقد مخالفا لشروطه بل يعتبر العقد موقوفا الى المدى الذي يكون فيه تنفيذ العقد متعذرا ويعتبر ذلك دفاعا في اي دعوى اقيمت او تقام على ذلك الشخص او اي اجراءات تتخذ ضده من جراء عدم تنفيذه للعقد او الالتزام، وهو ما يعني أن المادة المذكورة قد اعتبرت كافة العقود بما فيها عقود العمل موقوفة حكما، ومما تجدر الاشارة اليه في هذا المقام أن استخدام المادة 11 من قانون الدفاع مصطلح "العقد الموقوف" لا يعني بحال ذات المعنى لهذا المصطلح الوارد في القانون المدني الاردني في المادة (171) التي عرفت العقد الموقوف على أنهالعقدالموقوف النفاذ على الاجازة اذا صدر من فضولي في مال غيره او من مالك في مال له تعلق به حق الغير او من ناقص الاهلية في ماله وكان تصرفا دائرا بين النفع الضرر او من مكره او اذا نص القانون على ذلك، أي أن العقد الموقوف وفقا لأحكام القانون المدني هو عقد نشأ صحيحا لتوافر كافة أركانه وشروطه، لكنه معلّق النفاذ على اجازته ممن له اجازته، فإن لم يُجزه اعتبر كأن لم يكن، اما اذا لحقت به الاجازة فينفذ العقد وتترتب آثاره من وقت انعقاده وليس من تاريخ صدور الاجازة، واعتبرت الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة، وذلك استناداً لنص المادة (175/1) من القانون المدني،اي ان العقد معلقا على شرط واقف، أما المعنى المراد للعقد الموقوف الوارد في المادة (11) من قانون الدفاع هو استحالة تنفيذ بعض العقود بشكل مؤقت بسبب ظرف طارئ لا دخل لإرادة المتعاقدين فيه، أو بعبارة أدق هو وقف العقود مؤقتا على نحو يؤدي الى وقف آثارها ومفاعيلها بصورة مؤقتة،لتعذر تنفيذهابسبب مراعاة احكام قانون الدفاع او اي امر او تكليف او تعليمات صادرة بمقتضاه او بسبب الامتثال لهذه الاحكام،وبالتالي فلا يعتبر الشخص المرتبط بهذه العقود مخالفا لشروطها بل يعتبر العقد موقوفا الى المدى الذي يكون فيه تنفيذ العقد متعذراً، وهو ما يؤدي الى القول بأن العقد يبقى صحيحا وتبقى العلاقة العقدية قائمة بين طرفيه، وذلك على الرغم من توقف تنفيذ الالتزامات العقدية بينهما، بسبب المانع الموقت الذي طرأ على عليها والمتعلقة بحالة حظر التجوال، وتطبيقا لذلك، وفي مجال الحديث عن عقود العمل، فإن هذه العقود تبقى صحيحة ونافذة بمواجهة طرفيها، الا أنها توقفت مؤقتا نتيجة حظر التجوال ومنع اصحاب العمل الغير مصرح لهم بفتح منشآتهم مؤقتاً تنفيذا لأوامر الدفاع الصادرة استنادا لقانون الدفاع والتي منعت العامل من تنفيذ التزامه المتمثل بتقديم العمل، وبالتالي أثرت على التزام صاحب العمل بأداء المقابل لهذا العمل وهو الأجر، ومن جهة أخرى فإنه لا يرد القول في مجال الحديث عن عقود العمل بأن وقفها خلال فترة المنع ينطوي تحت حكم المادة (50) من قانون العمل، حيث جاءت الفقرة (ح) من البند رابعا من أمر الدفاع رقم (6) وأوقفت العمل بأحكام المادة المذكورة، وهو الامر الذي يثير الاستهجان والغرابة، خاصة وأن الابقاء على هذه المادة أولى من وقفها وتعطيلها في مثل هذه الظروف، كونها تجد المدى الصحيح في تطبيقها في مثل هذه الظروف، فضلا عن أن الوقف لهذه المادة والاستعاضة عنها بما تضمنته الفقرتين (هـ ، و) من البند رابعا من أمر الدفاع رقم (6) من منح الحق لصاحب العمل في المؤسسات والمنشآت المصرح لها بالعمل بصورة جزئية بالنسبة للعاملين غير المكلفين بعمل أو تلك المشمولة بقرار التعطيل ولم يصرح لها بالعمل التقدم بطلب لوزير العمل للسماح له بدفع ما ﻻ يقل عن 50% من قيمة اﻷجر المعتاد لهؤﻻء العمال، على أن ﻻ يقل ما يتقاضاه العمال من اﻻجر عن الحد اﻻدنىللأجور، إنما جاء بصورة تفتقر الى المشروعية، باعتبار أن رئيس الوزراء قد مارس وظيفة تشريعية تخرج أصلا عن نطاق صلاحياته المحددة بتعطيل بعض نصوص القوانين، عندما قام بتعديل ما تضمنته المادة (50) من أحكام بعد وقف العمل بها، وفرض على اصحاب الاعمال أداء كامل اجور العاملين لديهم عن الفترة من 18/3/2020 ولغاية 31/3/2020، وألزم أصحاب الاعمال بتأدية 50% من أجور العاملين غير المكلفين بعمل لدى المنشآت المشمولة بقرار التعطيل دون تحديد للمدة وبما لا يقل عن الحد الادنى للأجور.
خلاصة القول فإنه من الواضح -حسب رأينا- أن صدور أمر الدفاع رقم 6 مدار البحث على النحو الذي صدر به قد انتابه مخالفة لمبدأ المشروعية على نحو ما كان ليصدر لو كان هناك أدنى مراجعة قانونية لمحتواه، وهو ما ينبيء بنشوب خلافات قضائية عميقة فيما بين العمال وأصحاب الاعمال في المستقبل القريب، خاصة وأن هؤلاء الاخيرين قد شعروا بالغبن لقناعتهم بأن الحكومة حاولت حل مشكلات العمال على حسابهم بشكل أضر بهم وبمصالحهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والتوقف القصري عن العمل.