التعليم العالي عن بعد وأسئلة لم يتم الإجابة عليها
د.عثمان الصمادي
04-05-2020 04:47 PM
كثر الحديث في اليومين الأخيرين في داخل المجتمع الأكاديمي عن مشروعية مناداة الطلبة بالنجاح التلقائي و مدى أخلاقية هكذا طلب. و انقسم الأكاديميون بين مؤيد و رافض القرار و مع ذلك فهنالك شبه إجماع على أن القرار الأخير لوزارة التعليم العالي بخصوص تقريب موعد الامتحانات للعديد من الجامعات الحكومية و تحويله لامتحان إلكتروني هو قرار متسرع و خلق إرباكاً لمؤسساتنا الأكاديمية كان من الممكن تلافيه و بأقل الخسائر!
وهنا أحاول بهدوء طرح مجموعة من الأسئلة و الإجابة عليها بحدود خبرتي و معرفتي التي اكتسبتها من خلال تواجدي كأكاديمي و لمدة ثمان سنوات قضيتها في جامعة حكومية هي الجامعة الهاشمية التي أفخر بالانتساب إليها و أفتخر بكوادرها و طلبتها على حد سواء.
- بداية علينا طرح السؤال الأهم عن معنى التعليم عن بعد و تعريفه العلمي و هل أن التعليم عن بعد هو فقط رفع فيديوهات على الإنترنت و بأي جودة أو إتقان و فقط؟
إذا كان هذا هو الجواب فيجب التنازل عن التدريس الصفي و تقليل أعداد المدرسين و الاكتفاء بالفيديوهات عالية الجودة التي يقدمها الغرب و بجودة وإمكانات فنية و علمية تفوق ما قدمناه هذه الأيام و هو أيضاً تأكيد خطير لما يتداوله الطلبة وبعض الأعلاميين في الأونة الأخيرة عن عدم جدوى المحاضرات الصفية و عدم وجود أضاقة حقيقية لوجد المدرس في القاعة الصفية و هو استنتاج خاطئ و كارثي و يدل على اتساع الفجوة بين الطلبة و معلميهم!
برأيي أن التعليم عن بعد هو تعليم تفاعلي و يشبه تعليم القاعة الصفية الا حد كبير من خلال تفاعل الطلبة مع المدرس و مقاطعته لطرح أسئلة او طرح الدكتور نفسه لأسئلة تفاعلية خلال الشرح لتحصيل تغذية راجعة من الطلبة تساعده على ادارة دفة المحاضرة و تقييم مدى فهم الطلبة آنياً و إدارة دفة المحاضرة بما يتناسب مع الطلبة و قدراتهم.
- هل جميع زملائنا الأكاديميين قاموا برفع فيديوهات (بغض النظر عن جودة المحتوى الفنية و العلمية) ؟
الجواب قطعاً لا و كثير منى اكتفى "بالسلايدات المكتوبة" إما لضعف الخبرة بالتعامل مع التقنيات الجديدة أو لأسباب أخرى لا يتسع المجال لذكرها!
- هل التزمت وزارة التعليم العالي بقرار واضح و قطعي منذ بداية الأزمة ؟
لقد شاهدنا مناكفة و تخبط بين الوزارة و الجامعات نتج عنه تغيير القرارات الصادرة لثلاث مرات على الأقل آخرها كان قبل أسبوع و بشكل مفاجئ أدى لاضطرارنا جميعًا نحن (الأكاديميين)لإغراق الطلبة بواجبات و امتحانات قصيرة كون الامتحانات النهائية أصبحت على الأبواب بدل موعدها السابق و الذي كان مقرا بعد العيد!
- هل ثار الطلبة و الأكاديميون على القرار السابق المتمثل بتأجيل الامتحانات النهائية لما بعد العيد و إقامتها داخل الحرم الجامعي ؟
على العكس تلقينا نحن الأكاديميون و الطلبة القرار بترحيب شديد و قمنا بترتيب محاضراتنا و جدولة الامتحانات بناء على ان الامتحانات النهائية ستجرى بعد العيد!
- هل الطلبة(الضعاف أكاديميًا) هم فقط من اعترضوا على القرار الجديد و الكم الكبير من الوجبات و المشاريع و الذي يجب ان يتم في ظرف أسبوع ؟
الجواب أن أغلب طلبتي المتفوقون أكاديميًا و المجتهدون يرغبون بإنها الفصل بطريقة النجاح التلقائي او نتيجة ناجح راسب و فقط نظراً للضغط النفسي الذي يعيشونه و لاقتناعهم بعدم عدالة الامتحانات الإلكترونية
- هل يرتاح الدكتور نفسيا و يشعر بالرضا عندما يشاهد ظاهرة الغش الجماعي منتشرة و بكثرة في الامتحانات؟
الجواب و للأسف انه مشهد موجع سببه الرئيس ضعف أداة الامتحانات الإلكترونية كوسيلة تقييمية و محاولتنا نحن الأكاديميين التقليل من الغش بطريقة كان اثرها السلبي اكبر من أثرها الإيجابي حيث قام بعضهم بعمل امتحانات من خمسة دقائق و الآخر رفع مستوى صعوبة الأسئلة و الثالث زاد عدد الأسئلة بشكل مبالغ فيه و للأسف فوق كل ذلك فشل نظام الموودل الذي يستخدم لهذه الغايات و انهار في أول اختبار حقيقي لبنية الجامعة التحتية!
هنا يجب الإشارة أن ظاهرة الغش الجماعي لم تقتصر على الطلبة الضعاف (على رأي بعض زملائنا) و لكن يشترك فيه أغلب الطلبة على مختلف مستوياتهم الأكاديمية!
ومع انني كنت من الداعين و بشدة إلى الالتزام بالامتحانات النهائية داخل الحرم الجامعي في بداية الأمرو حتى لو دعانا ذلك لإلغاء الفصل الصيفي إلا أن الظروف تغيرت و الأزمة طالت والتوصيات الصحية منعت العودة القريبة للجامعات و ظروف التعليم عن بعد ليست كما يروج لها و نسبة نجاحها و الرضى عنها ضعيف برأي الأكاديميين والطلبة حسب استطلاع نشرته قناة المملكة !
و لذلك أعتقد أن مطالبة غالبية الطلبة و العديد من الأكاديمين في النجاح التلقائي له سببه الذي يجل أن يحترم ولا يتهكم عليه خصوصاً أن جامعة أكسفورد و التي تحوي خبرات أكاديمية من الصف الأول حول العام قامت بقرار مشابه لما يطالب به الطلبة و مع ذلك لم يحوقل أحد و يسترجع من الطلبة و الأكاديميين في تلك الجامعة و التي تحوي صفوة الصفوة من الطلبة و الأكاديميين.
أخيراً، أعتقد أن التعليم العالي الأردني يحتاج إلى مراجعات عميقة و جريئة و مخلصة توقف حالة التراجع و الضعف الذي نشهده في بعض الجوانب و الذي أظهرته الأزمة الحالية و بوضوح!
حفظ الله الأردن و قيادته و شبابه الذين هم عماد نهضته و الذين هم أملنا الوحيد في مستقبل أفضل لهذا الوطن العزيز على قلوبنا و الذي نفديه بالأرواح و النهج!