أما آنَ أوانُ مأسَسة إدارةِ الأزمات؟المهندس عامر البشير
04-05-2020 04:15 PM
عندما يتعلّقُ الأمر بمنظومةِ إدارة الأزمات، في ظلِّ غيابِ الرؤية الاستراتيجية من قِبل الحكومات، وتكلُّسِ مفاصلِ الإدارةِ العامّة، واستمرار نهج التجربة والخطأ أثناء إدارة الأزمة، يصبحُ لِزاماً على كلّ معنيّ التوقّفُ عند الزاويةِ الوطنية بالتشخيص والتحليل والاقتراح، وبالرّغم أنّني أختلفُ مع كلّ من يبحثُ على أيِّ فرصةٍ لتسييس الأزمات، وخصوصاً جائحة كورونا، إلاّ أنه ومن واقعِ المراقبِ لكلِّ ما يحدث، أُصدقكم القولَ أنّني خرجتُ بنتيجةٍ مفادُها أنّه لا يُعَوّلُ كثيراً على الحكوماتِ فيما يتعلّق بمأسسةِ إدارة الأزمات، ولا أتجنّى بذلك على قطاعٍ بعينه، أو على عهدٍ دونَ غيره، ولا استثني أحداً، فالتجاربُ السابقة في التعاملِ مع أيّ أزمةٍ تؤكّدُ هذا المنطلق؛ لأنّه وبكلّ ظرف تمّرُ به المملكة يتمُّ التعاملُ معه بصورةٍ آنيةٍ ولحظية، وبدون إعدادٍ مُسبق، وبدون الاستفادة من تجاربِ سابقاتها، وعند انتهاءِ الأزمة لا يتمّ تقييمُ أيٍّ منها، في ظلّ غيابِ المنهجِ العلمي، وتهالكِ البُنية التحتيّةِ التي نكتشفُ نقصَها والحاجةَ لها أثناءَ مواجهةِ الكوارث والأزمات، التي تتشابهُ معظمها بنفس الأدوات، والاختلاف يكمنُ في نوعِ وكمّ الأزمةِ أو الجائحة، حيث جرت عادةُ الحكومات أن يتمَّ التعاملُ معها بقليلٍ من التركيز، وبكثيرٍ من الاسترخاء. وهنا لن أتوقّفَ طويلاً عند عدم تجاوبِ حكومة الدكتور عبدالله النسور مع التقرير الرّقابي لمجلس النواب السابع عشر، كما أنّني لم أشهد تنفيذاً لأيٍّ من توصياتِ اللجنة النيابية على أرض الواقع، واكتفى دولته بتحويل شركة الكهرباء للمدّعي العام؛ على اعتبار أنّ الخللَ الذي واجهَ القطاعات المكلّفة في تخفيفِ حدّةِ عاصفة أليكسا، هو تقصيرٌ اختُزِلَ في استقبال مكالماتِ أعطالِ كهرباء، وعدم تلبية فرق الصيانة لشكاوي قطع الكهرباء، وبذلك كانت الشركةُ كبشَ الفداء بنفس المنهجية التي تنتهجها الحكوماتُ للخروج من الأزمة، أو الالتفاف عليها، لولا أن أنصفَ القضاءُ العادل النزيه الشركةَ، وقُيّدت ضدّ مجهول. وبالعودة للدروسِ والعبر التي نستقيها من تجربة جائحة كورونا، يجب أن يكونَ التقييمُ بالنتائج من خلال تحقيقِ جملةٍ من الأهداف، ومن المبكّر الحكم عليها، أوّلها ما تمّ انجازه وتحقيق السلامة الصحيّة للمواطنين وكل المقيمين على الأرض الأردنية، حيث لم يتم تسجيل أيّ حالةٍ جديدة على مدى آخر أسبوع، وتعافي ما نسبته 80% من الحالات المرضية في المستشفيات المخصّصة لاستقبال حالات كورونا، والتوسّع في الفحصِ العشوائي، حيث وصلت الأرقامُ لما يزيد عن 3500 فحصٍ يومي، ويُسجّل للحكومة هذه الإنجازات على الصعيد الطبي، إلاّ أنه يجب أن لا يغيبَ عن ذهنها باقيَ أركان المربّع الذهبي، بضرورة إدامة سلسة الانتاج، والتوريد الزراعي والصناعي، الذي شابهُ كثيراً من الأخطاء والاجتهادات في بدايةِ حظر التجوال، وما زالَت بعضُ القطاعات تُعاني منه، وفشل آليات ضبط الأسعار الذي اختلّ نتيجة القرارات التي أثّرت على معادلة التوازن بين العرض والطلب، نتيجة اختلال تدفّق السلسلة وليس استغلالاً من التجّار كما رُوّج له، إلى جانب أهميىةِ توفير مصادر دخلٍ للشرائح المتضرّرةِ من حظر التجوّل، أو من استثنتها قراراتُ الدفاع بالعودةِ للعمل، مثل عمال المياومة أو المتعطّلين ممّن توقفت مصادر دخلهم، وأغلب هذه القطاعات لا تملك أيّ مدخرات تمكّنها من توفيرِ مُتطلباتها الأساسية، سوى بضعة أيّام، والتي واجهت تحدي الحاجة والجوع، أحياناً وللأسف الأرقام تتجاوزُ رادارات الحكومة في ظلّ قطاعٍ واسعٍ غير مشمول بمظلة الضمان الاجتماعي، بإلاضافة للتحدّي الأكبر الذّي ينتظرُ الحكومة وهو خارطةُ طريقٍ للتعافي الاقتصادي، ومعالجة تراجع إيرادات الخزينة، الذي سيزيدُ من عجز الموازنة، وضرورة الابتكار لردم الهوّة بين الإيرادات والمدفوعات، وتراجع معدّلات النموّ الاقتصادي دون الصفر المئوي، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي؛ لاستيعاب زيادة نسب البطالة نتيجة ما سيخسره قطاعٌ واسعٌ من الأردنيين من وظائف على الصعيد المحلّي، وفي كتيرٍ من بلدان المنطقة والإقليم. وبالعودة إلى ضرورةِ مأسسة إدارة الأزمات، لا بدَّ من توسيعِ دور ومهام مركز إدارة الأزمات، وأن نتجاوزَ الأسبابَ التي أنشئَ من أجلها كحاضنة، أو الاكتفاء بالدورِ التنسيقي، إلى الاطلاع بمهامٍ استراتيجيةٍ لتعويضِ النقص ومعالجةِ الخلل الذي تمّ ذكرهُ في توصياتِ اللجنة النيابية، والتشبيك بين المؤسسات المختلفة، وحلقة وصلٍ بين أجهزةِ القوات المسلحة والمؤسسات المدنية، وتمكينُ كثيرٍ من القطاعات؛ حتى تأخذ دورَها العملياتي؛ لأنّ هذه المهام لو بقيت في عهدةِ الحكومات لن تحقّقَ شيئاً، والتجربةُ خيرُ برهان على ذلك، وأشفق كثيراً على حالِ المديرية العامّة للدفاع المدني وكوادرها، كقطاعٍ تصدّى ليعالِجَ الخللَ بالمنظومة، وأثبتت ومنذ بدء الأزمة فعاليةً وقدرات وتميّزاً، كما أثبتت دوماً القواتُ المسلّحة أنها الدرع الحامي كما أجهزتها الأمنية في تعويضِ نقصِ قطاعاتٍ رسمية أخرى، وأنّ لهم أدواراً فاعلة في كافّةِ محاور ومجالات الحياة المدنية، وهذا أثبتته التجارب السابقة، فضلاً عن واجباتِهم المتعدّدة خلالَ أزمة كورونا، إلاّ أنه تمّ تحميلُ جهاز الدفاع المدني عبءَ خدمةِ الإسعاف المتطوّر، وتحمُّل أرقامٍ قياسية، إذ تعاملت مع حوالي 300 ألف استجابةٍ لنقلِ الحالات المرضية للمستشفيات، والتي يصنّف جزءٌ كبير منها ليست طارئة، قطعت فيها ما يقربُ من نصف مليون رحلة، حيث حرصت على إعادةِ المرضى لأماكنِ سكنهم ، وكان بالإمكان توفير هذا الجهد من خلال توفّر قاعدة بيانات للمرضى ذوي الحالات المزمنة، مثل مراجعي وحدات غسيل الكلي، والذي يتطلب مراجعتهم 3 مرات أسبوعياً، بواقع ستّ رحلاتٍ لكلٍّ منهم، وهذا مَثّلَ ما يقارب من 35000 رحلةً اثناء حظر التجوّل، أو حالات مرضية غير طارئة وحالات ولادةٍ طبيعية، كان بالإمكان توفيرُ تصاريح للتنقّل بسياراتهم الخاصّة، لم تسعفهم المنصّةُ الالكترونية التي تمّ المبالغة في الترويج لها، من خلال تقديم طلباتِ الحصول على التصاريح، لم تكن بالفاعلية اللازمة، ولم تلبي حسب معرفتي أيضاً قطاعاً واسعاً من أصحاب الهمم، ومن العاملين في الحقلِ الإنساني، ودور رعايةِ المسنين، وإيواء الحالاتِ النفسية على سبيل الذكر لا الحصر، وأخيراً وليس آخراً المبالغةُ في الأسعارِ التي يتكبّدها الطلبة الأردنيون للعودة إلى المملكة، وبأسعارِ إقامةٍ تفوقُ ثلاثة أضعاف الإقامة في المخيّمات، والتي هي غير متوفّرة، وحصرها بفنادق خمس نجوم، التي اعتبرها البعض استغلالا، بالإضافة لملاحظاتٍ عديدة لا مجالَ لذكرها في هذه المقال. وأخيراً، استمعتُ لتصريح معالي وزير الصّحة مساءَ يوم الجمعة عن توقّعه لجولةٍ ثانيةٍ من وباء كورونا، وعليه أتساءل هل سننتظرُ حتى تبدأَ الجولةُ الثانية من وباء كورونا، حتى تقوم الحكومةُ بإضافةِ عدد 600 سريرِ عنايةٍ مركّزة؛ لاستكمال نسبة عدد الأسرّة المعيارية المطلوبة، وأتساءل لماذا أُجهضت مبادرةُ نقابة المهندسين الأردنيين لتجهيزِ مستشفىً مُتخصّص لاستقبالِ حالات مرضى وباء كورونا، وأيضاً إلى متى سننتظر لشراءِ النقص من أجهزة التنفّسِ الضرورية في علاج حالات كورونا المستعصية، وهل سيتمّ تقييمُ التجربة التي مررنا بها لأخذِ الدروسِ والعِبر، وهل...؟ وهل...؟. وللحديثِ بقية... *المهندس البشير: نائب أمين عمّان سابقاً، وعضو مجلس النواب السابق، ورئيس لجنة الخدمات العامة والنقل النيابية في مجلس النواب السابع عشر |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة