الخيارات الدستورية لمصير مجلس الأمة
د. محمد بن طريف
04-05-2020 03:07 PM
مع اقتراب نهاية الدورة العادية والأخيرة لمجلس الامة بعد ايام معدودات، يُثار التساؤل حول مصير مجلس الامة بشقيه، الأعيان والنواب .
وفي ذلك لابد من الوقوف على المواد الدستورية الناظمة للحياة البرلمانية في ثنايا الدستور
أولا: بالنسبة لمجلس الأعيان ، فقد نصت المادة 65 /1 من الدستور على أن "مدة العضوية في مجلس الأعيان أربع سنوات ويتجدد تعيين الأعضاء كل أربع سنوات ويجوز إعادة تعيين من إنتهت مدته منهم " وهذا يعني أن المدة المنصوص عليها في هذه الفقرة هي مدة عضوية العضو وليس مدة حياة المجلس وبالتالي متى أتم العضو اربع سنوات تنتهي عضويته حكما ، وهذا يقودنا للقول بأن مجلس الأعيان قد يستمر حتى لو مضى على تشكيله اربع سنوات لأن العبرة في مدةعضوية الأعضاء والتي عادة ما تكون متفاوتة ، مع مراعاة أنه من الممكن أن تصدر إرادة ملكية بحل مجلس الأعيان سندًا للمادة 34/4 من الدستور.
إلا أن المشرع الدستوري قد ربط انعقاد جلسات مجلس الأعيان بجود مجلس النواب وذلك وفقا لمنطوق المادة 66/2 من الدستور والتي نصت على انه "إذا حل مجلس النواب توقف جلسات مجلس الأعيان."
ووفقا لما تقدم قد نكون أمام خيارين بعد انتهاء الدورة العادية الاخيرة لمجلس الامة فيما يخص مجلس الأعيان :
١- صدور ارادة ملكية بحل مجلس الأعيان سندا لنص المادة 34/4 من الدستور وهذا الخيار لا يرتب أي أثر على استمرار الحكومة لأن المشرع الدستوري ربط ضرورة استقالة الحكومة بعد اسبوع من حل مجلس النواب وليس الأعيان .
٢-استمرار مجلس الأعيان وهو الخيار المرجح لعدم ضرورة صدور قرار الحل .
ثانيا : مجلس النواب : هنالك اكثر من سيناريو من الممكن اللجوء اليه وهي كالتالي :
١- سيناريو إكمال مجلس النواب لمدته الدستورية والتمديد له بعدها :
تنص المادة 68 /1 من الدستور أن “مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الإنتخاب العام في الجريدة الرسمية وللملك أن يمدد مدة المجلس بإرادة ملكية إلى مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على سنتين “. وبالرجوع الى تاريخ الجريدة الرسمية التي أعلنت بها نتائج الانتخاب العام كان ذلك بتاريخ 2016/9/27 وهذا يعني أن مدة مجلس النواب دستوريًا ستنتهي حكما بتاريخ 2020/9/27 ، ولا مجال للقول باعمال المادة 74/2 من الدستور والتي تنص على أن “الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل ، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها.” لأن النص قد ربط الاستقالة بصدور قرار الحل ولم يربطها بانهاء المدة الدستورية لمجلس النواب .
ومع ذلك فقد اعطى الدستور الحق للملك أن يمدد مدة مجلس النواب المنصوص عليها في المادة 68 /1 منه ولمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن سنتين ، وهذا يعني أن هذه المدة يبدأ حسابها لمجلس النواب اعتبارا من تاريخ انتهاء مدته الدستورية بتاريخ 2020/9/27 ، الا أن المشرع الدستوري لم يبين عدد المرات التي من الممكن أن يمدد بها الملك للمجلس ، لكن يمكن استنباطها من النص ذاته ، حيث لا يمكن أن تزيد عن مرتين اذا كان لمدة سنتين منفصلتين بحيث تصدر ارادة بالتمديد لكل سنة ، ولا تقل عن مرة ، تكون بسنة أو لسنتين متصلتين.
ومع ذلك يجوز للملك أن يصدر إرادة ملكية خلال مدة التمديد بحل مجلس النواب وبغض النظر عن المدة المقطوعة أو المتبقية من التمديد سندا لنص المادة 34/3 من الدستور .
وفي حال تم التمديد للمجلس القائم ، يترتب على ذلك التمديد استمرار عمل رئيس المجلس واللجان البرلمانية لحين بدأ الدورة العادية بتاريخ الاول من تشرين الاول لهذا العام ، حيث يتم افتتاح دورة عادية جديدة تأخذ نفس احكام الدورات العادية للمجلس اثناء سريان مدته الدستورية . مع ملاحظة انه من الممكن أن أن تصدر ارادة ملكية بإرجاء الدورة العادية الجديدة لمدة لا تتجاوز الشهرين .
٢- سيناريو الصمت السلبي :
وهذا السيناريو ما تناولته المادة 68 /2 من الدستور بالقول " يجب إجراء الإنتخاب خلال الشهور الأربعة التي تسبق إنتهاء مدة المجلس فإذا لم يكن الإنتخاب قد تم عند إنتهاء مدة المجلس أو تأخر بسبب من الأسباب يبقى المجلس قائماً حتى يتم إنتخاب المجلس الجديد ".
ففي هذه الحالة قد لا تصدر ارادة ملكية باجراء الانتخابات خلال مدة اربعة اشهر الاخيرة من عمر المجلس أو حتى لا تصدر ارادة ملكية بحل المجلس القائم ، ففي هذه الحالة يستمر المجلس بأعماله بما فيها إمكانية تمديد دورته العادية لمدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر ، أو حتى فض دورته العادية والانعقاد بدورة استثنائية ، الى أن نصل الى تاريخ انتهاء مدة المجلس الدستورية ، عندها تصبح مدة المجلس مفتوحة الى أن تصدر ارادة ملكية بحله وفقًا للمادة 34/3 من الدستور ، ويباشر أطوار الانعقاد بدورة عادية بتاريخ الاول من تشرين الاول او إرجائها متى كان ذلك ضروريا .
وكذلك يستمر الرئيس واللجان النيابية بممارسة أعمالهم لحين بدء الدورة العادية الجديدة والتي يتم فيها انتخاب رئيس ولجان جديدة .
٣- سيناريو الحل :
وهذا السيناريو الأكثر استخدامًا في المسيرة البرلمانية الاردنية ، حيث يتم اللجوء اليه ضمانًا لنزاهة سير العملية الانتخابية وإبعاد تأثير السلطة على إرادة الناخب ، حيث يتم حل مجلس النواب خلال الأربعة اشهر الاخيرة من عمر مجلس النواب سندًا للمادة 34/3 من الدستور والدعوة لإجراء انتخابات نيابية خلال تلك المدة ، ففي حالة مجلس النواب الحالي اذا ما تم الاستقرار على هذا الخيار ، فلا بد أن يتم مراعاة المدد المنصوص عليها في التشريعات ذات العلاقة ، وهذا يعني أن تصدر الإرادة الملكية بالحل قبل 2020/7/27 على اكثر تقدير حتى يتسنى للوزراء الذين يرغبون بالترشح مثلا ، الاستقالة وفقا لنص المادة 74/3 من الدستور والتي تنص على انه " على الوزير الذي ينوي ترشيح نفسه للانتخابات أن يستقيل قبل ستين يوماً على الأقل من تاريخ الانتخاب”
وفي حال نجح هذا السيناريو يتم انتخاب المجلس الجديد ويجتمع بدورة غير عادية ، وبالمناسبة ستكون اما في شهر تشرين اول او في شهر تشرين الثاني ، عندها سوف تكون بمثابة اول دورة عادية للمجلس وفقا لمنطوق الفقرة 2 و 3 من المادة 73 من الدستور .
٤- سيناريو الصمت الإيجابي :
وهذا السيناريو يفترض أن هنالك قرارا قد صدر بحل مجلس النواب ، الا أن الانتخابات لم تجرى خلال الأربعة اشهر من تاريخ الحل ، وهذا ما تناولته المادة 73/2 من الدستور بالقول “.إذا لم يتم الإنتخاب عند إنتهاء الشهور الأربعة يستعيد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد .” والمقصود بانتهاء الأشهر الأربعة هنا من تاريخ الحل وليس من عمر المجلس . ويترتب على انتهاء الشهور الأربعة من تاريخ الحل دون انتخاب مجلس استعادة المجلس المنحل لكافة سلطاته الدستورية وكأن الحل لم يكن ، لأبل والاجتماع فورًا بدورة غير عادية وممارسة مهامه لحين انتخاب مجلس جديد ، وبرإيي أنه وفقا لمنطوق هذه المادة فان نظرية مجلس يسلم لمجلس تترسخ في سيناريو الصمت الإيجابي والسلبي حيث أن المقصود بعبارة يستمر في أعماله لحين انتخاب مجلس جديد تدل بوضوح على أن هذا المجلس يبقى قائمًا في الحالتين لحين انتخاب المجلس الجديد ، ويشكل ايضا برأيي قيدًا على صلاحية الملك الواردة في المادة 34/3 من الدستور في حل هذا المجلس ايضا .
الا أن هذا السيناريو يختلف عن سيناريو الصمت السلبي من حيث أن الاخير يبقي الحياة البرلمانية قائمة لحين انتخاب مجلس جديد على عكس الصمت الإيجابي الذي من الممكن أن يعطل الحياة البرلمانية لمدة اربعة شهور اذا لم يتم الانتخاب لحين عودة المجلس المنحل .
وفي حال اللجوء لسيناريو الحل والصمت الإيجابي ، ستكون الحكومة ملزمة بالاستقالة سندا لنص المادة 74/2 من الدستور على عكس سيناريو التمديد أو الصمت السلبي الذين لا يلزمانها بذلك .
وأخيرا ومع يقيننا أن جلالة الملك هو من يملك القرار بذلك ، فإنني أجد أن اللجوء لسيناريو الصمت السلبي في ظل هذه الظروف التي تمر بها المملكة هو الخيار الأقرب للتطبيق .