نشعر جميعاً بالقلق تجاه الأوضاع الاقتصادية الحالية ونتألم كالجسد الواحد مع كل عائلة تضررت نتيجة لجائحة كورونا، ونتشارك جميعاً تفكيرنا بالمستقبل وضبابية الرؤية له ومع ذلك فإني أجد العديد من الأسباب للتفاؤل في أردننا اليوم.
إن الأسابيع القليلة الماضية كانت كفيلة بتعزيز قيم التكافل والعطاء والذي كان واضحاً من حجم التبرعات للصناديق الوطنية من مختلف الجهات، إضافة للعديد من المؤسسات الوطنية التي تمكنت من تقديم العون والمساعدة للأسر المتضررة بمساهمة القطاع الخاص والمواطنين الفاعلين.
لكن لم تكن هذه الجهود وحدها ما دعاني للتفاؤل والتطلع لأردن الغد، فمن خلال تطوعي خلال الفترة القليلة الماضية ذهلت بتجربة شبابية تحدت خبرتي ذات الثلاثين عام في مؤسسات دولية وحكومية، تجربةُ عصرية تستخدم التكنولوجيا وتعتمد التشاركية والاحساس بالآخر كمحرك لها، إنها المبادرات الشبابية عزيزي القارئ التي تخلت عن البيروقراطية الإدارية وتمكنت من العمل بكل مرونة في أي وقت وأي مكان بأقل المصاريف لتصنع التغيير الاجتماعي الإيجابي سعياً للوصول للعدالة الاجتماعية.
لابد أننا جميعاً نحاول المساهمة في تقديم العون للوطن بالبقاء بالمنزل واتباع التعليمات أولاً وبالبحث عن المساهمات التي يمكنها تقديمها من موقعنا لتقليل التحديات التي تواجهها العائلات الأردنية، وهو ما قادني للتفكير للبحث عن العوائق التي تواجهنا في خطواتنا لمحاربة فايروس كورونا من خلال التواصل مع المؤسسات المجتمعية وهي مجتمعية لتواصلها المستمر مع المجتمع مثل "أنا أتعلم" ممثلة بمؤسسها الشاب "صدام سيالة" والذي شاركني التفكير لنعي بأن الوصول إلى التعلم عن بعد هو تحد للعديد من العائلات ذات الدخل المتدني لعدم وجود الأجهزة اللازمة في المنزل.
إن عدم توفر الأجهزة اللازمة ليست بالمشكلة البسيطة فالتفكير بحلول بسيطة مثل الهواتف الذكية الخاصة بالوالدين ليس بالحل العملي يهمل حقيقة وجود أكثر من طفل في العائلة يحتاجون لأجهزة مختلفة في ذات الوقت، ومن المهم الإشارة أن العديد من العائلات التي لا تمتلك الأجهزة اللازمة بدأت بتفضيل طفل عن الآخر الذي بدى واضحاً في العائلات التي وفرت جميع الإمكانيات لطالب الثانوية العامة فضلاً عن باق أطفالهم، إنها ليست بالمشكلة بالبسيطة فهي تلمس بشكل مباشر حق الطفل في الحصول على التعليم.
إن التجربة التي تحدثت عنها عزيزي القارئ هو عملي مع مؤسسة "أنا أتعلم" لإطلاق حملة "درسي بإيدك" فبعد فهمنا للتحدي بالتواصل مع العائلات، كان نقطة البداية لدينا بالتأكيد علي أهمية دعم الجهود الحكومية من خلال التواصل مع كل من وزير التربية والتعليم ووزير الاقتصاد الرقمي والريادة إضافة لوزير الشباب الذين أكدوا على أهمية حل هذا التحدي رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الوزارات للانتقال بسرعة إلى التعلم عن بعد.
بالعمل مع مؤسسة "أنا أتعلم" تمكنا خلال أسبوع واحد من اطلاق حملة "درسي بإيدك" لاستكمال جهود وزارة التربية والتعليم من خلال جمع الأجهزة الإلكترونية المستخدمة او حتى الجديدة من قبل الافراد او المؤسسات وتزويدها للأسر المتضررة ليتمكن أطفالها من متابعة دروسهم عن بعد.
بشكل شخصي لقد ذهلت من سرعة العمل ومهنتيه في مثل هذه المؤسسات الشبابية أو حتى التي لم تتمأسس بعد كالمنصات والمبادرات ممن تعاونت مع الحملة, والتي قد يجهل الكثير منا وجودها, لكنها تساهم بشكل تشاركي بدون نجوم ولا احتكار ولا منافسة، بل على العكس هناك ادراك ووعي عميق بالمصلحة العليا وكيفية قياس النتائج والأثر.
إن طرق عمل هذه المجموعات مثل "أنا أتعلم" يجعلنا نستشرف ونستبشر بالمستقبل وتفتح آفاقنا بطرق العمل الاجتماعي المستجد، والمساهمات والجهود التي يقوم بها الجميع اليوم هي ما تجعلنا نشعر بالتفاؤل بأردن اليوم وغد.
* وزیرة التخطیط والتعاون الدولي سابقا، ومدیرة سابقة لدى منظمة العمل الدولیة