هل ينتقص مسلسل من سيادتنا على فلسطين؟
داود عمر داود
04-05-2020 02:07 PM
كاتبة مسلسل (أم هارون) يهودية
إستندت قصة مسلسل (أم هارون) على كتاب صدر، عام 2007، لمؤلفته اليهودية البحرينية، نانسي إيلي يوسف خضوري، بعنوان (من بدايتنا إلى يومنا الحاضر)، الذي يوثق تاريخ عائلتها، التي جاءت إلى البحرين من العراق، في الثلاثينات، مع عائلات يهودي اخرى من ايران والعراق. والحقيقة هي أن أحداث القصة، التي وثقتها خضوري في كتابها، جرت في البحرين وليست في الكويت، كما أُشيع، في البداية. فالخطة كانت تقضي بتصوير المسلسل في دولة الكويت. إلا أن وزارة الإعلام الكويتية لم توافق على إجازة النص، مما حمل جهة الانتاج إلى تنفيذ العمل في عجمان، وهكذا تم زج اسم الكويت في الأمر، فالقصة حدثت في البحرين أصلاً، والمسلسل تم تصويره في الإمارات.
القابلة (أم جان)
أبرزت الكاتبة اليهودية، نانسي خضوري، في كتابها، دور القابلة اليهودية (أم جان)، التي سكنت فريج المعاودة في مدينة المُحّرق، وجعلتها الشخصية المهمة في القصة، لأنها كانت معروفة، في المجتمع البحريني الصغير، ودخلت معظم بيوته، خلال الاربعينات والخمسينات والستينات، نظراً لطبيعة عملها كقابلة، إلا أن المسلسل أسماها (أم هارون). وقد تناولت المؤلفة، في كتابها، سيرة عائلات اليهود، في البحرين، كعائلة (هارون كوهين)، التي عملت في تجارة الأقمشة والعطور، وتولت إدارة دور السينما، وعائلة (نونو) التي عملت في الصرافة، وعائلة (مراد) التي عملت في التصوير، وغيرها. وعلى قلة عددهم، تنوعت أعمال يهود البحرين بين التجارة، والصرافة، والتدريس، والتصوير، والعمل كموظفين ومستشارين في البنوك والشركات الانجليزية.
التوظيف السياسي للمسلسل: دس السم في العسل
القصة بمجملها لا تستدعي كل هذه الإثارة لولا تعمد توظيف المسلسل لأغراض سياسية، من قبل الكاتبة اليهودية أولاً، ومن ثم من قبل الجهة المنتجة، التي رصدت للعمل 8 ملايين دولار، وهو مبلغ ضخم لعمل درامي أقل من العادي. تدعي الكاتبة أن هدفها بريء وهو إظهار (التعايش) بين اليهود والمسلمين في الخليج. فهل فعلاً تريد كاتبة يهودية، مولودة في لندن، وأمضت جل حياتها هناك، أن تُعلم العرب والمسلمين التعايش الديني مثلاً؟ فلماذا تناست تاريخ المسلمين الطويل، في قبول أصحاب الديانات الاخرى، والحفاظ عليهم، ومنحهم حرية العيش، والاعتقاد، والعبادة، ومنع الإعتداء عليهم، أو الانتقاص من حقوقهم، ومنحهم حق الحياة، تماماً كالمسلمين؟ وكيف تتجاهل المؤلفة تاريخاً طويلاً من حماية المسلمين لليهود، كلما تعرضوا للطرد والاضطهاد في أوروبا؟ فالكاتبة أرادت أن تدس السم بالعسل تحت غطاء كلمة (التعايش) التي تتستر بها، وكأن هذا المفهوم جديد علينا! فالتعايش حاصل، وهي تؤكده في كتابها، عن حياة يهود البحرين. فما هي قضيتها الحقيقية إذن؟
الانتقاص من حق العرب في السيادة على فلسطين
ما تسعى إليه الكاتبة، بالنتيجة، هو الترويج لفكرة الإعتراف بالكيان الغاصب لفلسطين، وجعل ذلك مقبولاً على المستوى الشعبي. كما تسعى إلى إزالة حالة العداء للصهيونية، كحركة سياسية. وهنا تكمن خطورة الهدف الذي روجت له في كتابها، وجسده مسلسل (أم هارون). وهذا توجه صهيوني بإمتياز، سواء جاء من كاتبة صهيونية تختبىء وراء يهوديتها، أو من كاتب عربي مسلم، يختبىء وراء علمانيته، وهذه بالمحصلة محاولة للانتقاص من حق العرب في السيادة على أرض فلسطين.
أداة استعمارية
اليهودية، كما النصرانية، دين تعايش معه المسلمون بالفطرة، أما الصهيونية فهي حركة سياسية، لا نتعايش معها، أنشأتها بريطانيا، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كي تكون أداة استعمارية بيدها، تحكم فلسطين بالوكالة، نيابة عنها، تحت مسمى (إسرائيل). فما هو أصل الحكاية، وكيف اخترعت بريطانيا الصهيونية لتكون ذراعها لإستعمار فلسطين؟
أصل الحكاية
أرسل الانجليز، عام 1850، ضابط استخبارات، إلى القدس، ليدرس الأوضاع فيها، ويعود بإجابة على سؤال واحد: ما هي أنجع السبل لديمومة احتلال أوروبي لفلسطين، عندما يحين الوقت، وتحت أي غطاء يتم ذلك؟ عاش الجاسوس الانجليزي في فلسطين، مدة عامين، بعيدا عن أعين السلطات العثمانية. ولما عاد الى بلاده، قدم تقريراً خلاصته انه بالإمكان احتلال فلسطين، لكن ليس تحت رأية الصليب، كما فعلوا في الحروب الصليبية، إنما تحت ستار دولة (يقيمها التوارتيون) أي اليهود. فاقتنع سادة الانجليز بهذا.
ويعود سبب اختيار اليهود، لهذه المهمة القذرة، أنه لم يكن هناك عداء بينهم وبين العرب والمسلمين، وبالتالي سيكون توطينهم في فلسطين أقل إثارة لأهل البلاد، فيما لو كان المحتل أوروبي مسيحي. لكن يهود أوروبا لم يتجاوبوا مع مشروع إقامة دولة لهم في فلسطين، خاصة المتدينين منهم، فتفتق الذهن الاستعماري عن إختراع (قومية لليهود) يجمعونهم عليها، ومن هنا جاءت فكرة (الصهيونية)، التي لقيت رواجاً بين العلمانيين من اليهود. وبذل المستعمرون الانجليز جهوداً كبيرة للترويج للفكرة، على مدى نصف قرن، وصولا إلى أول مؤتمر للحركة الصهيونية، في بال بسويسرا، عام 1897. ثم استغرقهم نصف قرن آخر لإقامة إسرائيل، عام 1948.
خلاصة القول
لم يخرج كتاب المؤلفة اليهودية، والمسلسل التلفزيوني، عن كونهما محاولة لترويض الشعوب العربية حتى تتقبل وجود الكيان الغاصب لفلسطين، وبالتالي أن ننسى جوهر المسألة، وهو أن السيادة على فلسطين هي حق للعرب والمسلمين. فالسيادة هي بوصلتنا، وفيما عدا ذلك باطل، حتى لو اعترفت بإسرائيل كل الدول، قريبة أم بعيدة. إذ أن الوجدان الشعبي، العربي والمسلم، سيبقى يرفض وجودها، ويرفض كل أشكال التطبيع معها، طال الزمن أم قُصر. ففلسطين ليست كأي أرض، فهي مباركة ومقدسة، ترتبط ارتباطاً عضوياً بعقيدة الإنسان العربي والمسلم، فهي أرض الإسراء والمعراج، فيها ثالث الحرمين، الذي تُشدُ الرحال إليه، فكيف يتحايلون على عقولنا بأن نقبل أن تكون فلسطين بيد غيرنا؟