الساعات الخمس بين البخيت والحركة : أحجار الجبهة في بئر الجماعة
ممدوح ابودلهوم
02-06-2007 03:00 AM
[ أول ما يُسجل للرئيس البخيت في مقابلة الساعات الخمس مع قيادة الإخوان الثلاثاء الماضي بدار الرئاسة ، هو الحسم في الموقف والصراحة في المواجهة بل وأيضاً الحزم في تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية ، بمعنى أن هذه الحكومة ممثلة برئيسها قد وضعت للمرة الأولى منذ سبع سنين ، نقاط اختراقات حزب جبهة العمل على حروف المكاشفة المناسبة بين الطرفين ، وقد جرت العادة منذ عام 89 – ونحن هنا نذهب مذهب المؤرخين لعودة الديمقراطية .. فلن نخسر ثميناً (!) مع أن الديمقراطية لم نراها تغيب حتى تعود ويؤرخ لها من جديد منذ العام المذكور آنفاً – أن تقدم الجماعة في ما يشبه الاستجوابات وأحياناً التهم الجاهزة ، فتجيب الحكومات المتعاقبة عليها توضيحاً أو مسكاً للعصا من الوسط وأحياناً صمتاً كان أقرب لقبول العروس !، بمعنى أن تاريخ العلاقة بين الجماعة والحكومات منذ عام 89 – وفق (مجاملتنا) آنفاً ، لم تسجل حالة يمكن وصفها بما صنع الحداد أو حالة كسر العظم .
غير أن جريان العادة هذه قد انقلب من حالة الانسياب الإيجابي إلى حالة الفيضان العارم ، حين أفرزت الجماعة حزبها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي وبوجه خاص منذ مجيء أمينه العام الأخير ، حيث نظرية المؤامرة راحت على يديه ومنذ يومه الأول تنحو طرائق شتى وتأخذ عناوين غاية في العداء والاتهامية والتشكيك ، بين تهم التطبيع مع العدوين الإسرائيلي والأميركي وبين انتهاك للقوانين وقمع للمعارضة ونيل من حقوق الإنسان (!)مع أن سماحته – تحت الطاولة – وفيما كنا كإعلاميين وقبلنا الحكومة على علم به ، كان يجاهر متحدياً بتعامله المباشر مع عدويّه (التاريخيين !) ، وكانت مهمة الكبار من الآباء الحكماء في الحاضنة الأم : جماعة الإخوان المسلمين ، تقتصر على إخراج أحجار الحزب / الجبهة و بخاصة أحجار أمينها العام من بئر الجماعة ، كي يحملوها مغلوبين على أمر ولدهم الشقي المدلل لإلقائها في بئر الحكومة – كل الحكومات حتى الثلاثاء الماضي ، بينما كانت مهمة الطرف الحكومي هي دائماً القيام بعمليات غطس لإنقاذ بئر الوطن من هذه الأحجار المسمومة ، أما لماذا الغطس فلأن هذه الأحجار بتراكمها فثقلها بالتالي ، هي في العمق لا على السطح كما في بئر الجماعة ، إذ لو كان العكس لكان للأم موقفها الصارم من ابنها المدله !، أي وباختصار كانت تختزل مهمة ولي الأمر / الجماعة و مدير المدرسة / رئيس الحكومة ، في (الغطرشة) على مراهقة الابن وتجاوزاته وبأنه (لن يعيدها) – مع أنه سيعيدها – وقد يحتسي الطرفان خاتمة كل مواجهة الشاي أو القهوة ببيان عبر أقانيم الميديا المختلفة !
كل أولئك سيصبح منذ الثلاثاء الماضي ولأول مرة في تاريخ الحكومات الأردنية – والفضل لأهله في إهاب الدكتور البخيت ، نسياً منسياً أي (هستوري) بالإنجليزي وبلسان أردني يعلو مبيناً في فصاحة البدو بوصفه (من صيد أمس) ، إذ في المقابلة الساخنة بساعاتها الخمس الأسخن ، والتي اتسمت كما أسلفنا بالمكاشفة بامتياز والبعد عن المجاملة بإطلاق ، طالب الرئيس قيادات الجماعة بالعودة إلى مورد إبلها السياسي الأصيل ، المتمثل في خطابها العام وأدبياتها التي نعرف و نحترم ، والذي كان يشكل على مدى قرابة نصف قرن من الزمان ، وثيقة شرف على أساسها كانت المملكة المحضن الرؤوم للجماعة الموقرة .
ولعله بالمناسبة ليس لغزاً غامضاً أو طلسماً ملتبساً استمراء الجماعة الإيجابي لموقف الرئيس ، إذ أن حسم الموقف وتفكيك عناصر كيميائه على هذا النحو الوطني المسؤول ، هو الخيار المطلوب بديلاً للمواقف الرمادية (التاريخية) السابقة ، لا بل سأذهب إلى أبعد من ذلك بالقول أن الآباء الكبار ومنهم مع حفظ الألقاب : العربيات والذنيبات والفلاحات ، يؤيدون الرئيس بل ويودون لو شاركوه قوله الحازم لأبنائهم في الحزب / الجبهة ، إذ هم البصيرة الراشدة والمدرسة العقلانية لجيل خليفة وأبو قورة والعظم والعكور والفرحان وغيرهم ممن نجل ونحترم .
ما أود قوله .. خلوصاً ، أن الرئيس البخيت قد بقَّ بحصة المسكوت عنه بين الطرفين ، وبأن حق العودة هو مجرد مشجب من مشاجب تاريخية يتزلف بها هؤلاء لجماهير بدأت تعرف الحقيقة ، وبأن هذه الجماهير التي يسمونها قواعدهم الشعبية و الانتخابية ، ويعولون عليها في تحقيق أطماعهم الشخصية ومآرب أخرى يعرفها الجميع ، تود لو تطيح بهم وتصرخ بكلمتها العليا لولا الحياء والتوقير للرموز الكبار في الجماعة الأم ، على أن صناديق الانتخابات بلدياً ونيابياً ستبوح برأيهم الغيور المغاير هذا قبل نهاية العام ، والأهم من ذلك كله هو أن حزم البخيت يعني من جملة ما يعني بأنها بحق الساعات الخمس الأخيرة في هذا المقام ، إذ لن يكون هناك (ومنذ الثلاثاء الماضي) أيُّ استنزاف لجهود الحكومة مما هو من وقت الوطن والمواطن ، الذي كان يضيع تارة على شكل رأب صدع وثانية لتجسير فجوة وثالثة في توضيح موقف ما ، وأخرى رابعة لعلها الأهم في الرد على بيان جبهويٍّ ساخن من تلك البيانات النارية الساخنة ، والتي غالباً ما تكون من أسف في التكفير والتخوين ، وما لفّ لفّهما من ضروب الاتهامية والتشهير وأشكال الاغتيالية والتشكيك ، ومع ذلك فإن الحكومة وهي تكدح إلى ذلك كدحاً أسطورياً بين فضيلة الصبر وحكمة الأداء ، ماضية لكن بصبر أيوبي عجيب وحكمة لقمانية رزينة ، في حالة قياس المسافات باتجاه بعض الجانحين في الحزب / الجبهة عبر رموز الجماعة الموقرين ، وترى حكومة البخيت أيضاً شأنها شأن الحكومات السابقة ، في مظاهر الاستنزاف الأربعة الآنفة الذكر – على عبثيتها .. وقتاً وجهداً ، علامات فارقة على طريق الحوار الوطني مع الجماعة وجبهتها ونوابها المحترمين ، كونهم يشكلونَ اللبنة الأساس في معمار الطيف السياسي في البلاد بوجه عام ..وللحديث صلة .. لا مناص .]
Abudalhoum_m@yahoo.com