كورونا والاقتصاد الوطني ما بين ( النعمة والنقمة )
محمد عصام الحوامدة
04-05-2020 02:02 AM
ليس صحيحاً أن جائحة كورونا خَلقت واقعاً اقتصادياً مقلقاً ونثرت الغبار على الحاضر المالي والاقتصادي ليس للأردن فحسب بل للعالم برمته، ولكن الصحيح أن جائحة كورونا نكأت جراحانا جميعاً اقتصادياً ومالياً وأماطت اللثام عن واقعاً اقتصادياً كاد أن ينهار سواء ظهرت جائحة كورونا أم لم تظهر .
يذهب البعض من منظري الآلام الاقتصادية الوهمية إلى حدود شاسعة في رسم الواقع حاملين بأيديهم نواقيس خطر من أجل ايهامنا أن أمامنا هاوية لا مفر منها بينما واقع الحال يقول أن الحلول الناجعة تكمن في طبيعة الأزمة ذاتها وأن عناصر الحل هي ذاتها عناصر الأزمة .
يتبنى منظرو أزمة جائحة كورونا نظريات وهمية ويسوقون لنا حلولاً هي ذاتها التي خلقت الأزمات السابقة، لا لشئ و إنما لحماية مراكز قرار اقتصادية ظلوا متمسكين بها ليتحكموا بأدوات التوازن الاقتصادي والمالي وليضمنوا في المحصلة النهائية استمراريتهم في التحكم في قوى السوق .
وفي ذات الوقت نراهم يتناسون المراحل الاقتصادية السابقة والتي مررنا بهم قبل كورونا والمؤشرات الاقتصادية السابقة التي تتحدث عن نفسها ومن جهة أُخرى يسعون الى احتواء الأزمة بشكل عصري " ورقمي " وليجملوا الواقع والتحديات السابقة معتقدين أن الصواب هو فعل كل شئ وبجميع الاتجاهات الرقمية باعتبارها الأقدر على الاستمرار في ظل تعطل حركة الانتاج تحت شعار وهمي يقول " نحن نعمل من أجلكم وهدفنا سلامتكم ".
إن النظرة المتفحصة والمعمقة لحزمة التحديات الاقتصادية السابقة والقطاعات الاقتصادية كلها تدفعنا إلى التفكير حول أسئلة عديدة ..... منها هل أضعنا الوقت والجهد سابقاً في العمل على إنجاح ودعم قطاعات بعينها مثل الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات؟ وهل قمنا بتصفية تلك القطاعات وإنهاكها بفرض ضرائبجبائية لتغطية نفقات وعجوزات مالية حسب ما يسمى بالعامية " تلبيس طواقي "؟ أم أننا قمنا بدعم جميع القطاعات دون التركيز على الأهمية النسبية لها أو طبقنا نظرية دعم جميع القطاعات وبشكل عشوائي على أمل أن ينجح أي قطاع منها تماماً كما حصل مع قطاع السياحة ؟
هذا الزمان ليس زمان العواطف، بل هو زمن مواجهة الحقائق ووضع اليد على الجرح الذي ما زلنا نعتقد أنه محايد أو تكميلي أو داعم للاقتصاد، فالتفكير التحليلي والموضوعي هو وحده الهادي لنا لننجز نمواً متوازياً لمختلف القطاعات،و هنا الحديث عن (حجر الرحى) في الاقتصاد وهو القطاع المالي الذي كنا ننظر له باعتباره القطاع الرئيسي و ليس القطاع القائد لكل القطاعات والممسك بجذوة التوازن المالي والاقتصادي .
بورصة عمان ظلت على الدوام تلعب دور المرآة للقطاع المالي، حيث كانت الشركات المساهمة العامة قبل نهاية عام 2008 هي المحرك الرئيس للاقتصاد الوطني وهي التي ظلت تعمل في الخفاء في مختلف القطاعات وكان القطاع المالي ( أم القطاعات ) هو الداعم والممول والمروج لتلك الشركات حتى حققتنجاحات نسبية في مختلف القطاعات تماماً كما حصل عند بدء الأزمة العراقية و نزوح رأس المال العراقي الى المملكة و تحول القطاع المالي إلى شكل من أشكال المضاربات والمقامر فكانت السرعة في تحقيق الأرباح هي أسرع واضمن من استحداث شركات مساهمة عامة أو حتى النظر في تطوير هذا المحرك الرئيسي لمختلف القطاعات .
وقتئذشهدنا تضخماً غير مبرر في أسعار أسهم تلك الشركات وصنعنا بأيدينا فقاعات تضخم كبيرة ... فجاءت الأزمة المالية العالمية لتكشف المستور مما دفعنا إلى العودة إلى فترة ما قبل عام 2008 التي شهدت حلولاً وأفكاراً وابتكارات ومؤتمرات ما زلنا ندور في دائرتها ولا زال همنا الأكبر هو متى تعود بورصة عمان إلى نشاطها دون أن ندرك حقيقة أن القطاع المالي قد تخلى وبالتدريج عن هذا المحرك الاقتصادي وأننا اليوم نمتلك اقتصاداً بلا محرك وقطاعات لا تملك من نفسها إلا اسمها.
إن أبرز مكونات القطاع المالي هو القطاع المصرفي الذي يشهد حالياً مشكلة رئيسية تتمثل في تخليه عن دوره كمحرك فاعل للاقتصاد الوطني في الوقت الذي يعاني من تطبيق معادلات اقتصادية ويواجة أزمات وضرائب تصاعدية دفعت بالجهاز المصرفي نحوالتحول منفرداً إلى أداة اقراضية بحتة مما ساهم في تشكيل ثقافة الفرد واقحامه في السياسات الائتمانية كونه الجهة الوحيدة القادرة على توفير رأس المال دون المساهمة في توسيع ثقافة بيئة الأعمال الريادية بل ذهب ضمن معادلة استمرار الجميع والمحافظة على حقوق المساهمين باعتبارها أولوية قصوى، فشهدنا تخفيضاً في السقوف الائتمانية مما أوصلنا إلى حالة انكماش اقتصادي تدريجي وبروز ظاهرة التعثر المالي التي شهدتها مختلف القطاعات فيما تأخر القطاع المالي في تكوين البنية التحتية المتكاملة لمنظومة الاقتصاد الرقمي .
هذا التأخر في التحول الرقمي وعدم وصول القطاع الماليإلى منظومة الاقتصاد الرقمي التي انتهى منها العالم المتقدم في نهاية عام 2013 وعدم وجود الفكر الاقتصادي الناضج أوصلنا الى مفارقات كبيرة، حيث أصبحت البنوك في تلك الدول عبارة عن بوابات مالية متكاملة قادرة على جذب الاستثمارات وتمكين المؤسسات والأفراد وبشكل عادل ( للجميع ) من خدمات الدفع والتحويل الالكتروني المباشر والاستغناء وبشكل تدريجي عن تمويل الشركات بتوفير وصناعة الأدوات الاستثمارية السليمة لتكون هي رأس المال العامل و خلق بيئة و منظومة محركات رئيسية و فاعله للاقتصاداتهم .
وكنتيجة لكل تلك السياسات فإن الضحية الكبرى كانت القطاع المصرفي الذي لا زال و منذ سنوات يتلقى الضربات وهو صريع أمام مشاهد سياسية واقتصادية اقليمية/ محلية/ دولية " مروعة " ومما يزيد من وجع هذا القطاع تعرضه وبنحو سافر لتقلبات حاده في مزاجية السياسات الحكومية المتعاقبة ويخوض فيكل التجارب الحكومية حتى بات منهكاً منها لا يستطيع التفكير إلا بما هو قادم، مع المحافظة على الاستمراريةضمن أي نهج ممكن حتى بات القطاع إذا ما أراد أن يمارس التحول الرقمي فلا بد له من اللجوء إلى شركات وسيطة تنظم عملية الدفع الالكتروني ليقف أمام عائق آخر في التحول الذي يسمى بالرقمي ناهيك عن المحافظ الالكترونية التي هي من المفترض أن تكون الأنظمة والتطبيقات الذكية التي توفرها لعملائها .
وكما قالها طبيب القلوب معالي وزير الصحة الدكتور سعد جابر " بأنه لا يوجد في قاموس العسكرية الرجاء أو التمني "وحتى لا نردد شعارات علينا التفكير خارج الصندوق و فوق الصندوق وتحت الصندوق يتوجب علينا اليوم التفكير والنظر إلى داخل الصندوق وأيضاً يدفعنا إلى التفكير و بعمق في إعادة تشكيل المحرك الاقتصادي الجديد ورسم منظومة خارطة الاقتصاد الرقمي الوطني فنحن في أمس الحاجة إلى ولادة نهج ومحرك اقتصادي جديد ينقلنا بسلام إذا أردنا الحديث عن ما بعد جائحة كورونا .