مرت صحيفة الرأي بمخاضات عدة، وصلت ذروتها في العام 2013، وتشكلت لدينا قناعة حينها وصلت حد اليقين، أن الحكومة اوقدت نارها وباتت تطبخ للمؤسسة على نار متقدة، ودفعت بملف الصحيفة على مائدة "الشطار"، سعيا منها لتطويع ملف الصحف الورقية كيفما ارادت، وبما يخدم مصالحها ويتماشى مع رؤيتها، ضاربة عرض الحائط بمصالح الرأي ومن فيها.
حينها كعاملين وصلتنا رائحة شياط طبخ تعددت مصادرها، أزعجتنا وأزكمت انوفنا، واستشعرنا خطر المراد وما ينتظرنا من قرارات صعبة، كانت بالضرورة ستعصف بمصالح وحقوق العاملين، وفيها تنصل من واجبات الحكومة تجاه أم الصحف الأردنية، بعد أن اوصلتها بسياساتها حد الإفلاس، تارة عبر بوابة التنفيعات وأخرى بالدخول في مغامرات غير مدروسة بإقامة مشاريع ليست ذي أولوية، نفذها وباركها ذراعها الاستثماري "الضمان الاجتماعي"، مالك الأسهم الأكبر.
لم يجد العاملون وقتها آذان صاغية بعد استنفاد كل أدوات الحوار والإقناع المتاحة مع الحكومة، وقتها فقط بعد أن تقطعت السبل بالعاملين، انتفضت الرأي وقالت كلمتها، وبدأ اعتصام دام لثمانية وثلاثين يوما، قاطعنا خلاله أخبار حكومة التسويف، وبدأنا لعبة التغيير الإيجابي في سياسة الصحيفة التحريرية، التي انتصرت لنبض الشارع ، وشاءت الأقدار أن يتزامن وقتها، صدور تقرير ديوان المحاسبة السنوي، الذي شكل لنا وقتها صيدا ثمينا، تلقفناه بكل عناية واهتمام، لعرض تجاوزات وقعت في تلك الفترة، فنشرنا ابرز ما فيه، ايمانا منا بدور السلطة الرابعة الرقابي والحقيقي على الأداء الحكومي، وتعاملنا مع التقرير الصادر بمنتهى المهنية والحرفية، بعيدا عن الهوى الشخصي بأسلوب فاق تصور ورهان الحكومة انذاك.
حين تمارس الصحف دورها، ويجلس على سدتها صحافيون مبادرون يعلمون بواطن الأمور وخفاياها، ويعون أين تكمن مصلحة الوطن، بعيدا عن حسابات الربح والخسارة وحب الأنا، يدركون وقتها ما ينتظره القراء من صحيفتهم، وتتبدل الكثير من المعادلات والحسابات عن دور الصحافة، وتبدد الصورة التقليدية في أذهان البعض عن الدور المنوط بها، من تلميع لمنجزات ليست على أرض الواقع، والاكتفاء بنقل الخبر "الضارب" بمعنى "السبق"، الذي بات في متناول المواقع الإخبارية وأضاف ميزة لها في سرعة نقل الخبر عن الوسيلة الورقية.
أمام هذا الواقع كان لا بد للصحف اليومية أن تغير من نهجها ومضمونها وفلسفتها في التعاطي مع الأحداث والأخبار، وتخرج من عباءة الخبر التقليدي، إلى فنون وأشكال العمل الصحفي الاحترافي من استقصاء وتحليل، وقتها سيكون لها أثر وكلمة وموقف تأخذه الحكومات في الحسبان.
ازعم انه في تلك الفترة وفقا لإحصائيات إدارة المؤسسة، كشفت أنه زاد الطلب على الصحيفة، وانخفضت المرتجعات بشكل لافت، وتمكنت الصحيفة من استعادة ثقة القارئ بها، بعد أن حذفت من قاموسها لغة التلميع، وانتصرت إلى الشارع واستردت دورها كسلطة رقابية، تؤشر على مكامن الخلل بنية التصويب وليس النيل من المنجز إن وجد.
ولم يقف الأمر انذاك عند حد التوقف عن العمل لسويعات، بل تعداه إلى حجب عن الصدور ليوم واحد، كنا حينها ندافع عن الفكرة، وعن حقنا في حرية الكلمة والموقف، وعن دور الصحافة وحقوق العاملين كافة في وجه قرارات حكومية تعسفية، كانت على وشك الصدور ستعصف بأرزاق مئات الأسر.
الصحفيون والعاملون في الصحف اليومية، يستشعرون خطر النوايا الحكومية تجاه مؤسساتهم، ومن سوء طالع العاملين أن الحكومة لم تفصح عن نواياها الحقيقية تجاه الصحف ولن تفصح، ايمانا وتيقنا منها أنها لن تستطيع المضي قدما وتتركها تصفي نفسها بنفسها، عبر أدوات لها في هذه الصحف تحركها بطريقتها كيف ما شاءت وبأي اتجاه تريد، وان تكتفي بدور المراقب عن بعد، تحت ذريعة عدم التدخل في عمل هذه المؤسسات.!!!
الكرة الان في ملعب العاملين والصحافيين منهم تحديدا، بعد أن تكشفت حقائق كانت ربما مغيبة عن البعض، دافعوا عن ارزاقكم ومؤسساتكم ولا تتطلعوا لأي انفراجة قد تأتي من طرف الحكومة، فهي أي "الحكومة" يبدو أنها لا تملك الجرأة الكافية حتى اللحظة لإعلان موقفها الواضح من هذه المؤسسات الزاخرة بالكفاءات، وحين أعلنت الحكومة منذ ايام نبأ السماح بصدور الصحف الورقية، وكأن الوباء قد انتهى، بعد أن أوقفتها تحت ذريعة الكورونا، أجزم أن التاريخ يعيد نفسه قبل سبع سنوات، وقت ابلغتنا حينها حكومة 2013، اقتلعوا شوككم بأيديكم، ما أشبه الأمس باليوم.