تعود بي الذاكرة الى تلك الأيام التي كنّا فيها طلابا ننهل العلم بمختلف اشكاله ، ولا زلت اذكر دروس التاريخ ، قديمه وحديثه، حيث رسخت في ذهني وأذهان زملاىي آنذاك صورا إنسانية مشرقة. لشخصيات تاريخية ، نكتشف بِعدها ومع مرور الزمن ان المضامين الحقيقية لصاحب تلك الصورة تتناقض تماما مع تلك الصورة التي رسخت في اذهاننا طيلة تلك السنين !
وللدلالة على ذلك فإنني استرجع في مخيلتي الصورة التي رسخت في اذهاننا ، صورةالرىيس الامريكي وودرو ولسون ، اذ كانت صورة إنسانية مثالية لزعيم نذر حياته للدفاع عن حقوق الشعوب ولا سيما حق تقريرمصيرها .
الا اننا ولدى. التوقف لاستعراض طروحاته ومداخلاته حول القضايا العربية المطروحة امام مؤتمر الصلح في فرساي ، نجده يتخذ موقفا مخالفا ومغايرالمواقفه السابقة التي كانت تتسم بالغموض والمواربة تجاه تلك القضايا طيلة فترة الحرب وذلك خوفا من أية ردود فعل انتقامية من جانب العثمانيين ضد الإرساليات التبشيرية الامريكية في بلاد الشام .
لقد بانت مواقف ولسون على حقيقتها خلال مؤتمر الصلح ، فإذا بها مواقف لا تقيم وزنالتطلعات الشعوب العربية وطموحاتها ولا حتى للوعود التي قدمت لها اثناء مجريات الحرب، فقد تنكر لمطالبها الوحدوية ، كما تنكر أيضا لأية أحقية تاريخية لعرب فلسطين في وطنهم . وأبدى في المقابل تأييده المطلق للمخططات الصهيونية التي تتيح لليهود ممارسة سياسة التطهير العرقي في فلسطين بتهجير اَهلها وإحلال اليهود الوافدين من شتى اصقاع الدنيا ليستولوا على ممتلكاتهم ويحتلوا ارضهم .
والأنكى من ذلك انه تبنى سياسة تقوم على العنصرية والتمييز العرقي بإعلانه ان مبدأ حق تقرير المصير موجه لشعوب أوروبا الشرقية دون غيرها من الشعوب . اما بالنسبة للشعوب الغربية فقد اعتبرها شعوبا غير مؤهلة لممارسة هذا الحق ولا بد من وضعها تحت وصاية وانتداب دول كبرى كبريطانيا وفزنسا فترة من الزمن حتى تتأهل لحكم نفسها . وكانت الوصاية والانتداب مجرد تغطية للهيمنة الاستعمارية الغربية التي مورست بأبشع صورها على الشعوب العربية .
ولَم يتوقف ولسون عند هذا الحد ، فقد أرسل للمنطقة العربية لجنة تقصي حقائق باسم لجنة كنج _ كرين وكان الهدف الحقيقي من إرسالها طمأنة العرب واحتواء اَي رد فعل معادقد يصدر عنهم . وهذا يعكس في حد ذاته مدى استخفاف ولسون بالعرب ومطالبهم الشرعية .وبالرغم من ان هذه اللجنة وضعت تقريرا تضمن العديد من التوصيات التي كانت لا تتوافق بل وتتعارض مع مخططات الصهاينة والقوى الاستعمارية ، الا ان هذا التقرير بقي في طَي الكتمان ولَم يتم نشره سوى عام ١٩٢٢ اَي بعد عام كامل من انتهاء ولاية ولسون كرىيس جمهورية . وبطبيعة الحال لم يتم الأخذ به أو إعطاؤه اَي أهمية أيك .
وهكذا نلاحظ البون الشاسع بين.الصورة التي رسخت في اذهاننا طيلة هذه السنين عن مدى إنسانية ومثالية هذا الرىيس الامريكي الذي يدافع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها والحصول على حريتها واستقلالها وبين صورة الرىيس الذي يمارس العنصرية الواضحة والتمييز العرقي المهين، اضافة الى انه لم يكن يولي اَي اهتمام أو اعتراف بإنسانية الشعوب التي لا تنتمي لعالم الغرب "المتحضر " !
انه التمييز العرقي نفسه والنظرة العنصرية نفسها ... تتكرر عاما بعد عام سواء كان رىيس الولايات المتحدة وودرو ولسون أو دونالد ترامب!!