أثر جائحة كورونا على السياسة الصينية
د. عاصم البرقان
03-05-2020 04:29 PM
تشير البيانات الرسمية بأن ما يزيد عن 77 ألف مريض صيني تعافى من الإصابة بفيروس كوفيد 19 ولم تعد هناك أي إصابات في مدينة أوهان المركز الذي أنطلق منه المرض. ورفعت السلطات الصينية القيود على الحركة والنقل لتخفيف من الخسائر الاقتصادية، وأعلنت العودة إلى ما يقارب 95% من الطاقة الإنتاجية السابقة في العديد من القطاعات. وقامت أيضاً بإطلاق حملة دعائية تؤكد على دور الرئيس الصيني شي جين بينغ في مكافحة الفيروس، وإعلان رغبتها في مشاركة تجربتها مع دول العالم.
وكان الوباء قد هدد في بداية اندلاعه مكانة الرئيس شي الذي بدأ النظر إليه كزعيم غير قادر على التعامل مع إدارة الأزمات، وذلك من خلال الأحداث التي جرت آنذاك مثل غيابه عن الأماكن العامة عدة ايام، وعدم قيامه بزيارة مدينة أوهان في بداية الأزمة - حيث زارها للمرة الأولى بعد أندلاع الوباء في 10 آذار- أو إلغاء جلسات البرلمان والتي حصلت لأول مرة منذ سبعينيات القرن الماضي.
وأعرب الصينيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم من إهمال السلطات، واتضح ذلك من خلال ملايين المشاركات بعد وفاة الدكتور لي ون ليانغ في 7 شباط، وهو الطبيب الذي أكتشف الفيروس وحاول الإبلاغ عنه، إلا أن السلطات منعته من ذلك. وبعد تفشي الوباء وزيادة النقد في المجتمع اعترفت السلطات بخطئها. وكان سكان مقاطعة هوبي التي انتشر فيها الوباء قد شعروا بتراخي المسؤولين الذين لم يستجيبوا بالشكل المناسب عند بداية اندلاع الوباء وذلك إما بسبب إهمالهم أو بأوامر من السلطات المركزية. وفي ردها على ارتفاع منسوب عدم الرضا الشعبي اتخذت السلطات بعض الإجراءات التي تركزت حول إقالة بعض المسؤولين في مقاطعة هوبي سوء في قيادة الحزب أو مؤسسات الدولة. وتم تعزيز الرقابة الاجتماعية في جميع مناطق الصين من خلال إجبار المواطنين على تثبيت تطبيقات التتبع لمراقبة حركة الأشخاص ونشاطهم في وسائل التواصل الاجتماعي. إضافة إلى فرض الإقامة الجبرية أو السجن على بعض العلماء ورجال الأعمال الذين وجهوا انتقادات علنية للسلطات الصينية. وساهمت جميع هذه الإجراءات التي تزامنت مع بداية نهاية الوباء إلى جانب الحملات الدعائية في تعزيز المواقف السياسية للرئيس الصيني.
وبمقارنة نتائج شهري كانون الثاني وشباط لهذا العام مع عام 2019 تشير البيانات الرسمية الصينية إلى نتائج سلبية للوباء على الاقتصاد الصيني، فقد أعلنت السلطات عن انخفاض قيمة الإنتاج الصناعي بنسبة 13.5% و تجارة الخدمات بنسبة 13% وانخفاض الصادرات بأكثر من 17% والواردات بنسبة 4%، اضافة إلى ذلك لم تنظم الصين في الربع الأول من هذا العام أي معارض تجارية دولية.
وتدهور وضع العمال وخاصة الوافيدين منهم، كما وتعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تولد النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، من مشاكل في السيولة وذلك بسبب قلة مدخراتها وصعوبة الحصول على قروض بنكية، ولذلك جزء كبير منها بداء يطالب بتأجيل دفع إيجار المباني التجارية.
وتستخدم الصين وباء كورونا في سياساتها الخارجية حيث أضيف الوباء إلى عناصر التنافس الأمريكي الصيني، واتهمت الصين الولايات المتحدة بتسييس الوباء من خلال استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو مصطلح "الفيروس الصيني"، وحملت وزارة الخارجية الصينية الولايات المتحدة مسؤولية نشر الفيروس في الصين قبل أن تتراجع بعد الانتقادات التي واجهتها. وأظهر الوباء تأثير الصين المتزايد في المنظمات الدولية، حيث استخدمت علاقتها الجيدة مع منظمة الصحة العالمية من خلال تمويل العديد من البرامج الطبية للمنظمة، للتأكيد على دورها في مكافحة الفيروس وإسكات الانتقادات لها لعدم استجابتها المبكرة لخطره.
وفي مواجهة الوضع الصعب وبشكل متزايد في أوروبا؛ تحاول الصين الظهور بمظهر الدولة الأولى في العالم التي هزمت المرض، اذ تقوم الصين بتزويد العديد من دول العالم بالمعدات الطبية وجزء منها على شكل تبرعات ووفقاً للبيانات الصينية فقد وصلت هذه المعدات إلى نحو 82 دولة في العالم منها العديد من الدول الأوروبية كإيطاليا وإسبانيا وتشيك وغيرها، وكذلك للدول العربية.
وتسعى السلطات الصينية من خلال ابراز دورها في مكافحة الفيروس إلى إقناع المجتمع الدولي وكذلك المجتمع الصيني بأنها وعلى النقيض من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي اتخذت الخطوات الصحيحة، وتحظى بتقدير عالي في دول العالم.
ليس من المؤكد بأن الوضع قد انتهى بالفعل في الصين ويجب النظر إلى المعلومات حول انتهاء الوباء على أنها محاولة من السلطات الصينية لإظهار انتصارها على الوباء من جهة وقدرتها على مواجهة الأزمة الاقتصادية من جهة اخرى، وما إعلان السلطات في 28 آذار إلغاء تأشيرات الدخول للأجانب إلا محاولة لإظهار أن أي إصابات جديدة سيتم عرضها على أنها قادمة من الخارج.
وستعمل الصين على تمويل الاستثمارات من خلال حزم التحفيز والاستقرار لاستعادة النمو في الناتج المحلي الإجمالي والمتوقع أن ينخفض إلى اقل من 2%، و ستزيد برامج التحفيز والإعلانات من ديون الدولة والمقاطعات وكذلك الشركات الخاصة والتي هي بالأصل مرتفعة. ويمكن أن تقود أزمة لاحقا محتملة إلى موجة من الافلاس وانسحاب رؤوس الأموال من الأسواق، وفوضى في الأسواق المالية.
ومن الأخطار التي تواجه الاقتصاد الصيني الركود المحتمل في الاقتصاد العالمي وخاصة لدى اهم الشركاء التجاريين للصين كما هم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وقد يقود ذلك إلى انسحاب العديد من المستثمرين الأوروبيين والأمريكان من الاستثمار في الصين، وكذلك وقف الشراكة مع شركة هواوي فيما يتعلق بتكنولوجيا الجيل الخامس. من جهة أخرى سيسعى المستثمرون الصينيون للاستفادة من انخفاض قيمة الشركات الأجنبية والسيطرة عليها. كما وستستغل الصين الصعوبات الناجمة عن الأزمة وعدم قدرة العديد من الدول على تمويل مشاريع البنية التحتية لتعزيز مبادرتها في إطار مشروع الحزام والطريق. إلا أن الأزمة الاقتصادية ستعيق مشروع الرئيس الصيني الهادف إلى مضاعفة دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 عن عما كان عليه في عام 2010.
اما من الناحية السياسية فكل الامور تشير بأن الرئيس الصيني رغم بعض الهفوات حافظ على مكانته داخل الحزب وللآن كل المؤشرات تشير إلى إمكانية فوزه بولاية ثالثة مقرر إجراؤها عام 2023، مقابل ذلك سيقوم الحزب وبهدف إثبات صحة سياسته أمام الجماهير بإقالة بعض المسؤولين ويمكن أن يكون على رأسهم رئيس الوزراء لي كه تشيانغ او نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الملف الاقتصادي هو تشون هوا او من كان مسؤول عن الملف الصحي.