(( ينقل ابن الأثير عن القاضي الديار بكري المالكي : " في سنة 71هـ جلس عبد الملك بن مروان في قصر الإمارة في الكوفة ووضع رأس مصعب بين يديه فقال له عبد الملك بن عُمير: يا أمير المؤمنين: جلستُ أنا وعبيد الله ابن زياد في هذا المجلس ورأس الحسين بن علي بين يديه ثم جلستُ أنا والمختار بن أبي عبيدة فإذا رأس عبد الله بن زياد بين يديه، ثم جلستُ أنا ومصعب هذا فإذا رأس المختار بين يديه ثم جلستُ مع أمير المؤمنين فاذا رأس مصعب بين يديه . فأرتعد عبد الملك بن مروان وقام من فوره وأمر بهدم القصر". ))أن لا تظهر على قناة "الجزيرة" مدججا بلحية كثة وما تيسر من أسلحة وآيات قرآنية، ومناديا بـ " البراء من المشركين " ، فذلك وحده لا يعني بالضرورة انك إسلامي معتدل . إن نسغ الإرهاب الأصولي الذي يغذي أمثال الزرقاوي وبن لادن ومقتدى الصدر وعبد العزيز الحكيم وغيرهم من الإرهابيين يمتص مادته الفعالة من شخصيات إسلامية توصف عموما بأنها معتدلة أو أكاديمية وقد تتمتع بشرعية شعبوية عريضة وربما حصانة نيابية وكاريزما إعلامية نافرة وأكثر من ذلك : اعترافا أو دعما أمريكيين وعلاقات جيدة مع الدولة التي ترفع شعار الحرب على الإرهاب ..!
إن حصر الإرهاب "الاسلاموي" على انه نتاج للمدرسة الوهابية السلفية ، ليس سوى وجهة نظر أمريكية تحولت بفعل المد الإعلامي المركز والعميق التأثير إلى شبه حقيقة مطلقة . غير أن هناك حقيقة أخرى أكثر ثبوتا تؤكدها واقعة نواب الإخوان المسلمين الأربعة في الأردن ، ووقائع سحل رجال الدين السنة في العراق على أيدي عناصر من فيلق بدر الشيعي الذي يرأسه عضو البرلمان العراقي عبد العزيز الحكيم ، إضافة للمقابر الجماعية في مخابئ جماعة مقتدى الصدر في كربلاء ؛ وما جرى في المحاكم الإيرانية الإسلامية الثورية ، وما يجري حاليا في عربستان ضد المسلمين السنة. هذه الحقيقة مفادها أن فكرة "البراء" التي هي في الواقع الرافد الفكري الزاخر والجوهري لمختلف أشكال العنف الذي تمارسه فئات وطوائف إسلامية مختلفة على انه ركن أساسي من عقائدها ، هي قاسم مشترك لمعظم هذه الطوائف والفئات الإسلامية ..
إحدى المشهديات الأساسية التي يمكن العثور عليها على نحو وافر فيما يسمى بتاريخ الدول والملوك في مراحل متعاقبة من التاريخ الإسلامي هي عبث أمير أو خليفة برأس منافسه المقطوعة والملقاة أمامه في محفل عام ؛ ثم عبث حامل راية الثأر من هذه الأمير أو الخليفة برأسه المقطوعة في مجلس تال .. وهكذا ، تتوالى هذه الوتيرة الطقسية الشنيعة كمتتالية هندسية متصاعدة . مع ذلك فان الأكثر مدعاة للانقباض أن هذه الطقوس الشنيعة يوردها الكتاب والمؤرخون والشعراء بمتون ونصوص احتفالية..!
إن المكافئ المعاصر لتلك المتون والنصوص الاحتفالية المتوفرة في كتب التراث الإسلامي والعربي بكثرة بالغة ، هو ما نسمعه اليوم على شاشات المحطات الفضائية العربية من تبريرات وتفسيرات وتوصيفات للإرهاب يطلقها أشخاص يشار إليهم على أنهم " نخب " فكرية وشعبوية ورؤساء تجمعات ومنظمات مدنية ، ويوصفون في العادة على أنهم إسلاميون معتدلون .. فأحد المراجع الاخوانيين الكبار في الأردن رفض إطلاق صفة شهداء على ضحايا تفجيرات الفنادق في عمان لأنهم ـ أي الضحايا ـ كانوا يشاركون في عرس مختلط ..! وهذا المرجع نفسه لم ير بأسا في وصف الزرقاوي بالشهيد لدعوى انه قاتل الأمريكان .. ! ومثله الزعيم الشيعي عبد العزيز الحكيم حين يدعو إلى العفو عن الذين قتلوا جنودا أمريكيين .. رغم انه ما كان ليحلم بدخول العراق وتنصيبه زعيما فيها لولا الجنود الأمريكان..
إن تقبل فكرة قتل الآخر والتمثيل بجثته ليست في الواقع حكرا على الشيوخ المعممين أو الملتحين. ومسألة اعتبار "قدسية حياة الآخر " مجرد وجهة نظر هي تنويع متجدد على قصة إسلامية وعربية قديمة : من هم في سلطة السلاح أو الزعامة أو الفكر أو العمامة يقررون أي البشر يجب احترام قدسية حياتهم وأي البشر ترخص دماؤهم إلى درجة الهدر المجاني . فالكاتب الإسلامي فهمي هويدي مثلا ، وبالرغم من انه لا يعتبر أصوليا أو سلفيا إلا انه وفي كل مقالاته المنشورة في صحف تزعم أنها ضد الإرهاب يتهرب من إدانة جرائم الزرقاوي وبن لادن ، ولا يرى فيها سوى أنها "ممارسات فيها ما هو خطأ وما هو صواب" ..! ومثل هويدي كثيرون يظهرون على الشاشات الفضية ببدلات من بيار كاردان ، وتحت كل منها " الحجاج بن يوسف الثقفي " تارة ، و" المختار بن عبيد الله " تارة أخرى ، ولكن بقالب معاصر ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب ومستشار اعلامي / البحرين
Kateb99@gmail.com