هل انتهت مباراتنا مع كورونا ام ان هناك شوط ثان؟
اللواء المتقاعد مروان العمد
02-05-2020 01:09 PM
في الأيام الماضية شهد الاردن تناقصاً بأعداد الإصابات بفيروس كورونا وحتى انه وصل إلى الصفر في عدة أيام متتالية باستثناء الحالات القليلة القادمة من الخارج . واصدرت الحكومة عدة قرارات بفتح العديد من المنشئات الصناعية والتجارية والخدمية بدرجات تختلف ما بين المحافظات وعلى أساس الوضع الصحي فيها منذ بداية انتشار الوباء وحتى الآن . كما سُمح باستخدام وسائل النقل العامة والخاصة بشكل كلي أو جزئي . فهل هذا يعني انتهاء معركتنا التي سوف أشبهها بمبارة كرة قدم مع هذا الوباء ام اننا في فترة استراحة بين شوطين ؟ وهل نحن فعلا انتصرنا بالشوط الأول وان انتصارنا سيكون سهلاً بالشوط الثاني ؟
وللإجابة على هذا السؤال لنستعرض بعض المعلومات والتصريحات التي ظهرت على السطح خلال الأيام الماضية وفي البداية لنستعرض ما قاله جلالة الملك المعظم خلال ترأسه اجتماع مجلس السياسات الوطني يوم الأربعاء الموافق 29 / 4 / 2020 حيث أكد على ضرورة التعاون والتنسيق بين جميع الجهات ذات العلاقة في عملية اعادة الطلبة الأردنيين إلى الوطن وتنظيم حركتهم بشكل واضح ، وشدد جلالته على أهمية اتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على صحة الطلبة اثناء نقلهم . ولفت النظر إلى أهمية ضمان الغلق التام لاماكن الحجر الاحترازي على الأردنيين العائدين . وأكد على أهمية عدم التسرع باتخاذ القرارات التي تؤدي إلى التراجع عشرات الخطوات إلى الخلف.
فما الذي دعى جلالته الى قول ما قاله والذي يبدو من خلال حديثه ارتفاع مستوى القلق لديه والخشية من التراجع للخلف عدة خطوات بعد ان كان يحذر من الرجوع خطوة واحدة للخلف ؟
من المؤكد ان المعطيات التي لدى جلالته هي التي دفعته لهذا القول وهو الذي يقود الفريق الأردني بهذه المباراة الحاسمة .
كما ان الكثير من المؤشرات والدلالات صدرت من العديد من اللاعبين الأردنيين في ميدان المباراة في هذا الاتجاه . فقد صرح لاعب خط الدفاع الأول معالي وزير الصحة سعد جابر بأن المرض لم ينتهي بعد وان أي استهتار أو إهمال في الإجراءات الوقائية سيعيدنا إلى نقطة البداية. وقال ان الكثيرين من مواطنينا الأردنيين في الخارج مصابين بهذا الوباء ولا يتلقون أية رعاية صحية . فيما صرح لاعب خط الدفاع الثاني معالي وزير الإعلام امجد العضايله انهم يدرسون إصدار امر دفاع جديد يتضمن عقوبات بحق كل من لا يلتزم بالإجراءات الوقائية .
فيما ذهب المحلل الرياضي لهذه المباراة الدكتور ابراهيم البدور رئيس لجنة الصحة والتعليم في المركز الوطني لحقوق الإنسان عضو لجنة الصحة الوبائية النيابية ان عدد الإصابات في الوباء بالأردن المنخفضة كانت نتيجة الإغلاق الذي اتبعته الدولة منذ البداية ومتابعة الحالات المصابة وعزلها وهذا ادى إلى انخفاض الإصابات والى انخفاض نسبة المناعة المجتمعية في الاردن مقارنة مع الدول التي انتشر بها مسبباً إصابات ووفيات كبيرة ، وبالتالي نسبة اعلى من المناعة المجتمعية . وقال ان نسبة الإصابة به في بعض الدول قد تصل إلى سبعين في المائة من السكان ، وان السماح بعودة الطلبة الأردنيين في الخارج ومن تقطعت بهم السبل من هذه الدول سوف يسمح بدخول العديد منهم وهم مصابين بهذا الفيروس مما سيعرضنا ألى هجمات جديدة منه وانتشار العدوى من جديد بين الكثير من المواطنين وقد لا ينقذنا حينها منه الا إيجاد مطعوم لهذا الوباء ( الأمر الذي يبدوا بعيد المنال الآن ) . وأنه ولذلك يجب ان نأخد احتياطاتنا الجماعية قبل وعند عودة طلبتنا ومواطنينا ( وهذا دور الحكومة ) واحتياطاتنا الشخصية ( وهذا دور المواطن ) لمنع انتقال العدوى منهم إلينا .
كما حذر الخبير الرياضي لهذه المباراة عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الأوبيئة / مسؤول ملف كورونا في الشمال الدكتور وائل الهياجنه من موجة ثانية للكورونا في حال عدم وجود خطة مُحكمة لعودة الأردنيين من الخارج وذلك لانخفاض نسبة المناعة الجماعية لدينا . وأوضح ان الدول التي اكتسبت مثل هذه المناعة هي من بلغت نسبة إصابة مواطنيها بهذا الوباء ما بين 50 الى 60 % . اما التي بلغت نسبة الإصابات بين مواطنيها ما بين 50 ألى 25 % فأنها ستكون عرضة لموجة ثانية من الإصابات وسوف تكون اشد لمن النسبة لديهم اقل من ذلك كما هو الحال لدينا . وأضاف ان التحدي الأكبر الآن هو السيطرة على المنافذ الحدودية لدى عودة الطلبة الأردنيين من الخارج .
فيما فند كبير المعلقين الرياضيين لهذه المباراة الدكتور منذر عبيدات الناطق الإعلامي بأسم لجنة الأوبئة صحة الدراسات التي تحدد مدداً زمنية لانتهاء الوباء في الاردن ودول العالم . وقال انه من الممكن ان لا نسجل إصابات لمدة من الزمن لكن ذلك لا يعني انتهاء الوباء وخاصة لعدم وجود مناعة مجتمعية ضده . وأنه يمكن وفِي اي فترة ان تأتينا حالات مصابة من الخارج بالرغم من كل الاحتياطات التي يمكن اتخاذها .
ويضاف إلى ذلك ما أعلنته منظمة الصحة العالمية سابقاً بأنها تتوقع هجمة جديدة لهذا الفيروس في الفترة القادمة وأنها ستكون اشد من الهجمة الأولى ، والتحذير الذي أبلغته تلك المنظمة للأردن حول مخاطر الانفتاح السريع من القيود المفروضة لمواجهة هذا الوباء وما أعلنته الكثير من المصادر الصحية في مختلف دول العالم عن هذه الهجمة الجديدة المتوقعة .
وفي يوم الأربعاء الماضي اول أيام السماح بحركة السيارات الخاصة والعمومية ووسائل النقل الجماعي ضمن ترتيبات معينة ذهبت لطبيب الاسنان لمعالجة الم منها استمر معي منذ بدايات الحظر قبل شهر ونصف ، ومع ان حركة السيارات كانت معتدلة نوعاً ما الا انني لاحظت مظاهر عدم الالتزام بالإرشادات الطبية ، حيث لم يكن الأغلبية يرتدون الكمامات ولم يكونوا يطبقون التباعد الاجتماعي اثناء وقوفهم على الدور أمام المحال التجارية ، حيث كانت المسافات ما بين الواحد والآخر اقل بكثير من الحد المطلوب . كما لمست عدم الالتزام باقتصار حركة السيارات على الأرقام الزوجية ( وكان هذا اليوم دورها ) . وشاهدت الكثير من السيارات التي تحمل ارقاماً فردية ، صحيح ان بعضها قد تكون عائدة لمن هم مصرح لهم بالتحرك اليومي والمستثنين من هذه التعليمات ، ولكن مما لاشك فيه انه كانت هنالك الكثير من السيارات المخالفة تتجول في الشوارع .
ولعل هذا كله وراء التوجيهات التي اطلقها جلالة الملك المعظم وتحذيره من الرجوع إلى الخلف عدة خطوات . ولعلها ايضاً وراء التعليمات الجديدة باشتراط عدم دخول اي شخص الى المولات والمحال دون كمامة وعن النية لاصدار امر دفاع جديد يفرض عقوبات على غير الملتزمين بارتداء الكمامات والقفازات والتباعد الجسدي في المحال ووسائط النقل .
لقد التزم الاردن منذ بداية الوباء بتسهيل عودة الطلبة الأردنيين والمواطنين الذين تقطعت بهم السبل فقد أعلن العميد مازن الفرايه مدير عمليات خلية كورونا انه وفي الفترة من الخامس من أيار وحتى السابع منه سوف تحط في مطار الملكة علياء الدولي ستة عشر طائرة تحمل ما يقرب من 3100 طالباً وطالبة من كل من مصر وتركيا وروسيا والجزائر وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وهنغاريا وألمانيا لتكون هذه العملية المرحلة الاولى لنقل طلبتنا في الخارج والذين قد يبلغ عدد الراغبين منهم بالعودة اكثر من الخمسة والعشرين الفاً وربما يصل إلى الخمسة والثلاثين الفاً ، هذا غير الفئات الأخرى من المواطنين الراغبين بالعودة والمتوقع بلوغهم عشرات الآلاف .
وهذا الأمر يتطلب اتخاذ أقصى درجات الحرص على تطبيق الإجراءات الصحية اثناء عمليات النقل هذه من لحظة صعودهم في الطائرات التي سوف تقلهم وحتى وصولهم إلى مطار الملكة علياء الدولي ومن ثم تأمين نقلهم إلى أماكن الحجر المخصصة لهم في البحر الميت لمدة لا تقل عن اربعة عشر يوماً مع ضمان تطبيق الحجر الكامل عليهم وما يتبعها من فحوصات وتحليلات لهم لغاية يوم خروجهم من منطقة الحجر ، ويتبعها التزام الطلبة الذين لم تظهر عليهم علامات الإصابة بهذا الوباء بقضاء فترة حجر إضافية لمدة أسبوعين في منازلهم وذلك لضمان عدم انتقال هذا الفيروس من قبل بعض القادمين إلى آخرين داخل البلاد ومتابعتهم صحياً بعد ذلك هم وذويهم .
ان عملية اعادة الطلبة الأردنيين الراغبين بالعودة إلى وطنهم ومثلهم من تقطعت بهم السبل في الخارج واجب وطني على الاردن والذي ما تخلى عن ذلك في يوم من الأيام . ولقد كان اول دولة تخلي رعاياها من منطقة ووهان في الصين ومع بداية انتشار المرض واخلى معهم عدداً من الطلبة العرب . كما استقبل الآلاف من مواطنيه في الأيام الأخيرة قبل إغلاق الأجواء الاردنية أمام حركة الطيران منهم خمسة آلاف قدموا بخمسين رحلة جوية وتم وضعهم لمدة أسبوعين في فنادق خمسة نجوم على نفقة الدولة . ولكن تطور المرض بعد ذلك وانتشاره السريع في كل دول العالم وتوقف عمليات النقل الجوي وانشغالنا بحصر الوباء الذي كان قد تسلل إلينا والسيطرة عليه قد اخر القيام باستقدام آخرين بعض الشيء ، ولكننا ومع ذلك سنكون من الدول الاولى في العالم التي تقوم بهذه العملية رغماً عن محاذيرها ومخاطرها . كما ان اتباع الإجراءات السليمة في نقل الطلبة سوف تجعل عملية نقلهم جميعاً تحتاج إلى المزيد من الوقت ولذا تم وضع أولويات لمن يتم نقلهم حيث أعطيت الأولوية للطلبة المتواجدين في اكثر الدول تضرراً بهذا الوباء ثم للطالبات وطلاب المراحل الثانوية .
الا ان هذه الإجراءات لم تخلو من النقد من البعض الذين لايجيدون الا النقد . فقد وجه البعض الاتهام للحكومة بأنها تأخرت في عملية اعادة الطالبة ، وطالب البعض بسرعة أعادتهم وإعادة جميع الأردنيين المقيمين خارج الاْردن الراغبين بالعودة وبأسرع وقت ممكن دون الأخذ بالاعتبار خطورة هذا الشئ على الوضع الصحي في الاردن . فيما طالب البعض بأن تكون تكلفة إعادتهم و حجرهم على نفقة الدولة الأمر الذي لم تقم به دول تملك إمكانيات لذلك اكثر من الاْردن بمئات المرات . وحتى ان أقوى دولة في العالم وأكثرها إمكانيات وهي الولايات المتحدة الأمريكية لم تقم بذلك حيث عممت على رعاياها الراغبين بالعودة ان تكون عودتهم على نفقتهم الخاصة ، وطلبت ممن لا يملكون إمكانية ذلك البقاء في الدول التي هم فيها إلى ان ينتهي الوباء . وقد فعلت ذلك العديد من الدول بما فيها الدول الخليجية . كما انتقد البعض حصر اماكن الحجر في منطقة البحر الميت وطالب بتوزيعهم على مختلف الأماكن وخاصة البتراء والعقبة لكي تستفيد فنادقها من ذلك متجاهلين ان اختيار منطقة البحر الميت كان لقربها من عمان وخلوها من السكان وليس لتحقيق منافع لمصلحة ملاك هذه الفنادق بالذات كما قال البعض بذلك .
لقد وصفت المواجهة ما بيننا وبين فيروس الكورونا في بداية المقالة بمبارة كرة قدم بين الطريفين ، يحاول كل طرف تسجيل نقاط بمرمى الطرف الآخر . نقاط الفيروس تكون بأعداد الذين يصيبهم بهذا الوباء ، و نقاطنا بمقدار ما ننجح بالتقليل من هذه الإصابات . ونحن الآن وكاننا في فترة الاستراحة ما بين الشوطين والتي يقوم بها الطاقم التدريبي بإعطاء توجيهاته وتعليماته للفريق الأردني والتي وعلى ضوء التزام اللاعبين بها ستكون النتائج التي يحققها وإذا لم يلتزم بها ستكون النتائج كارثية عليه . ومن ناحية أخرى فأن الفيروس في هذه الفترة يعد لهجومه في الشوط الثاني وسلاحه في ذلك عدم التزامنا بتعليمات الوقاية منه ومحاولة التسلل لخطوطنا الخلفية من خلال مواطنينا القادمين من الخارج والذين يحمل الكثيرين منهم الفيروس بداخلهم .
وان كل من يتهاون باتباع إجراءات الوقاية أو اصبح يعتقد اننا انتصرنا على الفيروس وأصبح يطالب بالعودة إلى ما كانا عليه قبل الوباء أو على الأقل التخفيف من الإجراءات الاحترازية والوقائية ، أو من يطالبون بفتح حدودنا وأجواؤنا لمواطنينا في الخارج للعودة دفعة واحدة لن يكونوا الا لاعبين إضافيين في ملعب الفيروس ولصالحه عن علم بذلك أو دون علم . ان معركتنا او مباراتنا مع هذا الفيروس لم تنتهي بعد ولم تقترب حتى من نهايتها ولا زال وقتها مفتوحاً ، وربما سوف يشتد أوارها . وهي معركة أو مباراة سوف يحقق بها الوباء انتصاره في جميع الأحوال ولكن انتصارنا نحن هو في جعل انتصاره هذا بأقل عدد من النقاط او الأهداف وهذا لأيتم الا بوعينا والتزامنا بتعليمات الوقاية الصحية وتحملنا لبعض القيود التي لا بد منها وان لا نستمع لمن يغردون خارج السرب . وهذا امر ليس بمستحيل إذا ملكنا الإرادة لتحقيق هذه النتيجة وتحملنا تبعاتها لبعض الوقت .
وحمى الله الاردن من كل شر ورفع عنه وعن العالم اجمع هذا الوباء