قرارات التعليم العالي في عصر الكورونا
الدكتور ماجد الشامي
02-05-2020 12:56 AM
لما كانت الحكومة الأردنية بشخصية رئيس الوزراء عمر الرزاز وتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم في سباق مع الزمن للحد من جاءحة كورونا المستجد (COVID-19)، ذلك الوباء الذي حصد الأخضر واليابس للبُنى التحتية في الكثير من دول العالم، استطاع الاردن، البلد الصغير، أن يقدم أفضل النماذج العملية للتعامل مع هذا الوباء القاتل ليُضرب فيه المثل ويكون محل إعجاب وتقدير وعبرة للكثير من الدول في كيفية استخدام نموذج الواقعية والجدية والحسم في التعامل مع هذا الوباء وبالتالي تفويت الفرصة عليه للنيل من عزيمتنا ضمن قدراتنا وإمكانياتنا المحدودة. وكان لنا ما كان، قيادة وحكومة وشعباً من تحقيق الهدف المرجو بفضل التحرك السريع على جميع الأصعدة من أغلاق المطارات وإيقاف النشاطات الاقتصادية والرياضية والإجتماعية والثقافية والتعليمية والدينية، موازاةً مع حملات توعية نوعية ومكثفة عن الإجراءات الواجب اتباعها، من تباعد اجتماعي وارتداء مستلزمات الحماية الشخصية ومنع حركة السيارات الخ، من قبل الشعب للعبور بهم إلى بر الامان. ولعل في اعتماد الحكومة تفعيل الشراكة مع المواطنين من خلال الشفافية في التصريحات وقرارات الدفاع، كان لها الاثر الايجابي للحد من انتشار هذا الوباء.
وللتعامل مع الجائحة الكارثية بأقل الأضرار، خصوصا على الجانب التعليمي، أكد رئيس الوزراء على اهمية تفعيل التعليم عن بعد للمدارس والمعاهد والجامعات. ولعل ما لمسناه من قبل وزارة التربية والتعليم من جملة من الإجراءات السريعة مثل بث الدروس عبر محطات التلفاز، معززةً بتدريب المعلمين على كيفية التعامل مع الوسائل التكنولوجية المتاحة لأغراض التدريس وعمل الاختبارات والتمارين والتقارير والمناقشات التفاعلية، كان له الأثر الإيجابي على استكمال العملية التدريسية في وقت الأزمات، وإن كانت ليس بإمتياز ولكنها تجربة يُبنى عليها في المستقبل. وكانت جميع قرارات الوزارة شبه مركزية بعد التشاور مع الجهات المعنية من مدراء مدارس حكومية وخاصة ومدارس الأونروا. ولعل عملية تفعيل التدريس عن بُعد في المدارس إتَسمت بالايجابية أكثر منها في الجامعات، وإن كانت هي من أكبر القطاعات التعليمة، ذلك لأن مساقات التوجيهي العلمي والأدبي وكذلك مساقات البرامج الأجنبية ذات نطاق محدد لا تتجاوز عدد أصابع اليد والمقرر واحد. بعكس التعليم الجامعي الذي وإن كان نطاقه إضيق من المدارس ولكن اختلاف التخصصات والكتب المرجعية وكذلك اختلافها بين الجامعات نفسها يجعلها تتطلب إلى التخصصية specialization في الاعداد وليس العمومية standardization، كما هو الحال في الدروس التي تُقدم لطلبة التوجيهي على منصة "درسك" عبر شاشات التلفاز.
وعليه، فإن الجانب الآخر من التعليم، وهو التعليم الجامعي، فكان الحال إلى حدٍ ما مغايراً، حيث انه وفي اتصال هاتفي مع وزير التعليم العالي عبر التلفاز الاردني في ٣/٩، أكد على أهمية استعداد الجامعات لخطط طوارئ للتدريس عن بُعد، في حالة الاضطرار لإغلاق الجامعات، وعلى أهمية تصوير المحاضرات على فيديو وبثها للطلبة لكي يحضورها عبر أجهزتهم الخلوية، دون توجيهات منه باستخدام وسائل التدريس عن بُعد، متمثلةً بزووم أو meeting, مما يوحي بعدم المام معاليه لهذه الاساليب. إضاف إلى ذلك تكرار معاليه على مرتين بانه وجه الجامعات الرسمية والحكومية للاستعداد لخطط طوارئ، دون إلمام معاليه بأن وزارته مسؤولة عن جامعات حكومية وخاصة، وليس رسمية وحكومية. ولقد كان واضحاً ان وزارة معاليه تفتقر لأي استعدادات أو خطط طوارئ، علماً بأنها الوزارة الأهم في المملكة المسؤولة عن عشر جامعات رسمية، و22 جامعة خاصة، إضافة لجامعتين أسستا بقانون خاص، هما الحسين التقنية، والعلوم الإسلامية العالمية. كذلك، وعندما سأله مقدم الأخبار عن كيفية عقد الإمتحانات عن بُعد، إجاب معاليه بما يلي "تقديم الامتحانات اصعب شوي وبدها ترتيبات معينة، من اجل الحفاظ على سلامة الامتحانات، ولكن انشالله ما تِصل الامور الى هذه الدرجة"، أي لا يوجد رؤية مستقبلية من قبل الوزارة لذلك. علماً بأنه لم يمضي ٦ ايام على هذه المقابلة حتى خرج رئيس الوزراء في تاريخ ٣/١٤ وعبر محطة التلفزيون الاردني، بقرار تعليق الدوام في المدارس والجامعات والكليات والمعاهد والحضانات إبتداءً من ٣/١٥ ولمدة اسبوعين. مؤكداً بالوقت نفسه على أهمية عدم إضاعة الوقت على أبناؤنا وبناتنا، حيث صرح رئيس الوزراء بما يلي "اننا ومنذ فترة ونحن نُحَضْر لهذا السيناريو. وعليه ستباشر وزارة التربية والتعليم بتنفيذ خطة التعليم عن بعد من خلال قنوات التلفاز الوطنية ويتبع ذلك بالتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد لوزارة التربية والتعليم اعتباراً من بداية الأسبوع المقبل". وهنا لا بد من أن أُنوه بأن رئيس الوزراء في هذا التصريح، وربما بدون قصد، لم يتطرق إلى تفصيل موضوع التعليم العالي في الوقت الذي قدم رؤيته بخصوص آلية السير قُدماً في العملية التعليمية للمدارس الحكومية والخاصة التابعة لوزارة التربية والتعليم. وعليه ومنذ أن توقف التدريس داخل الحرم الجامعي، بقرار من رئيس الوزراء في ٣/١٥ في انتظار قرار استئنافه من قبل صناع القرار، أعتقد الكثير من الأساتذة انهم في حُكم الاجازة، ليتضح فيما بعد أن الإيقاف قد يطول بسبب الوباء، فطُلبَ منهم تفعيل التدريس عن بُعد. ولعل التأخر من قبل رؤساء الجامعات في اتخاذ القرارات المهمة منذ بداية الوباء وتغيبهم عن المشهد الاكاديمي، جعل من الإشاعات مصدر قلق للطلبة، بين ما يشاع عن إسقاط الفصل أو التعويض بالصيف أو إختبارات ناجح راسب، أو النجاح التلقائي وهكذا. وليس أقلُ إهمية ذلك التباطؤ الذي خيم على وزارة التعليم العالي في إتخاذ زمام المبادرة في إعادة العملية التدريسية إلى مسارها الصحيح عبر قرارات توجيهية رنانة، مما جعل من التعليم العالي في حكم المتاهة منذ بداية الأزمة ولحين إصدار قرار دفاع رقم (٧) الذي وضع الكورة في ملعبهم، ولعل في تسارع وتبديل وإلغاء القرارات التي اتخذت منذ ذلك الحين، والتي لا تتسم بالموضوعية وتفتقر للإتزان والعدالة، تبعثُ بالقلق على مستقبل التعليم العالي ببروز فجوة تنسيقية كبيرة بين الوزارة وبين رؤساء الجامعات ومجالس العمداء، والضحية هم الطلبة الذين يتكبدون التكلفة المادية والزمنية والاجتهادية والنفسية الناتجة عن الوباء وكركبة حياتهم وتحصيلاتهم التعليمية. وبناءً على ما تقدم، ولكي امثل صوت الحق، وبحكم خبرتي الطويلة في التعليم الجامعي، ومعرفتي عن قرب بكل ما يحدث داخل الحرم الجامعي، فلا بد لي من التطرق إلى النقاط التالية:
١- أن التخبط في اتخاذ القرارات التي صدرت عن مجالس عمداء الجامعات ومن ثم إلغاؤها من قبل وزارة التعليم العالي، كما نشر في عمون، وجاء على لسان الناطق الإعلامي بالوزارة مهند الخطيب ما يلي، "إن قرار الوزير باعتبار قرارات الجامعة لاغية جاء لمخالفتها قرارات مجلس التعليم العالي". وكان من هذه القرارات اعتماد نظام ناجح/راسب، واعتماد 50% من العلامات للأعمال الفصلية و50% للامتحان النهائي بالنسبة للبكالوريوس. وفيما يتعلق بالدراسات العليا، اعتماد 60% للأعمال الفصلية و40% للامتحان النهائي، على أن يُترك لعمداء الكليات اتخاذ القرار المتعلق بالتدريب الميداني والجانب العملي. في حين أن مجلس العمداء قد إستثنى من هذه القرارات المرحلة السريرية لكلية الطب وطب الاسنان، تاركاُ القرار للعمداء. والغاء هذا القرار كان على أساس أن وزارة التعليم العالي سوف تقوم بإصدار قرارات بديلة لها، وليعاود التعليم العالي إلغاء قراراته واستبدالها بقرارات جديدة، وهذا إن دلّ على شيء، إنما يدُلُّ على حدة التخبط لدى الوزارة في اتخاذ القرارات، مما جعل طلبة الجامعات في حالة توهان ومصيرهم في حكم المجهول.
٢- إن الطلبة وهم على مقاعد الامتحان في .student com يتعرضوا لمشاكل فنية في الأجهزة، كتعليق الأجهزة وعدم فتحها وغيرها من المشاكل، والتي يتم معالجتها فوراً من خلال المشرفين المتواجدين في المختبر، فكيف لهم أن يُمتحنوا عن بعد في ظل مشاكل شبكات النت من حيث السرعة والحُزم والضغط على الشبكة ومشاكل أجهزتهم القديمة أو المضروبة فيروسات، وهم من عانوا كل العناء في الاختبارات القصيرة، فمنهم من لم يتمكن من الدخول وخسر ال ١٠ علامات، علاوةً على الاختبارات التعجيزية (على سبيل المثال ١٢ سؤال دوائر بمدة ٦ دقائق)، واختبارات بالخطء ليست للتخصص المعني، واختبارات تفتقر لبدائل الاجابة، أو إجابات تفتقر للسؤال، والخ. ولهذا السبب هنالك اعداد هائلة من الطلبة، في تعليقاتهم على صفحة وزارة التعليم العالي، يرفضون بشدة عمل الاختبارات النهائية عن بُعد، كما يرفضها الكثير من الأساتذة، ولكنهم يحتاجون إلى آذان صاغية من قبل الوزارة.
٣-قرار وزارة التعليم العالي بأقامة الاختبارات في مواعيدها حسب التقويم الجامعي، بعد أن كان هنالك قرار سابق بتأجيل الامتحانات إلى ما بعد رمضان، وتارة داخل الحرم الجامعي وتارة خارج الحرم الحامعي، في صدمة مفاجئة لطلبة يناضلون على جبهتين، جبهة الوباء القاتل وتداعياته الاكتآببة وجبهة الإرهاق النفسي في معركة التعامل والتفاعل مع مشاكل آلية التعليم عن بعد والاختبارات التعسفية.
٤-وفيما يتعلق في خريجي كليات الطب البَشَري، الذين يشعرون بالألم الداخلي للتشكيك بهم وبقدراتهم، وإستثناءهم من قرار ناجح راسب إسوةً بباقي الكليات، علاوةً على عدم شمولهم بقرار الامتحانات عن بعد، اضف إلى ذلك مشكلة زملائهم من الطلبة الخريجين المحشورين في الخارج بسبب الاغلاق، وهم الذين وكما يقال "طلبوا العلم ولو في الصين" حيث كانوا يقومون بالتدريب السريري الاختياري خارج المملكة، وحالهم كحال زملائهم الذين يسابقون الزمن للالتحاق بسنة الامتياز. فلماذا لا يتم اختبارهم عن بُعد، أو اتخاذ قرار النجاح التلقائي للجميع، وهم جميعاً لولا الكارثة الوباءية لكانوا على وشك التخرج، ولم يتبقى لهم سوى انهاء اللمسات الأخيرة من الاختبارات السريرية ومتطلبات التخرج.
٥-اما الخريجين من طلبة سنة خامسة طب أسنان في كل من الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا، فبينما تقرر عقد الإمتحانات النهائية لطلبة الجامعة الاردنية داخل الحرم الجامعي وذلك بعد اكمالهم للكفايات التعليمية ولفترة ثلاثة اسابيع اعتباراً من تاريخ 3 /5 / 2020، تقرر عقد الإمتحانات لطلبة طب الاسنان في جامعة العلوم والتكنولوجيا الكترونياً (عن بعد). لماذا؟ وأين المساواة في الحقوق والواحبات؟، ليس هذا فحسب، بل إن قرار إلغاء بحث التخرج بالنسبة لطلبة طب الاسنان في الجامعة الاردنية، وإجبارهم على العودة إلى مختبرات الكلية، في تطبيق غير سريري لاستكمال المتطلبات العملية للمواد، والتي هي في الأصل مستكملة سابقاً من خلال السنة الثالثة، انما هو قرار فارغ من الموضوعية والمضمون.
ولعل في اللائحة من مشاكل يصعب حصرها هنا، وبالرغم من صعوبة الأجواء التي تعرّض لها طلبتنا في المدينة وفي القرى وفي المخيمات من كوارث طبيعية وكوارث قرارات وكوارث مصيرية، كانوا على بصيصُ أملّ أن يعوضوا قدر المستطاع وإنقاذ فصلهم الدراسي عند عودتهم إلى الاختبارات على مقاعد الدراسة في ظل أجواء طبيعية ومريحة لنفسيتهم، ليُفاجأو بين الفينةِ والأُخرى بقراراتٍ صادرة عن وزارة التعليم العالي تلغي سابقتها، كتلك القرارات التي صدرت عن الوزارة في تاريخ ٤/١٤ والتي تم تعديلها في ٤/٢٧ في مشهدٍ مؤلمٍ في التلاعب في مصير أبناؤنا الطلبة عبر قرارات مهزوزة الطابع وليس مدروسة.
ومن هنا وفي ضوء ما ذكر فلا بد لرئيس الوزراء التدخل شخصياً لتصحيح التخبطات في القرارات من قبل وزارة التعليم العالي وكذلك رؤساء الجامعات ومجالس العمداء واتخاذ قرارات واقعية ومنطقية تُنصف أبناؤنا الطلبة. وهنا اقترح بعض البدائل التالية:
البديل الاول: اعتماد الفصل الصيفي كفترة زمنية مكملة للفصل الثاني لجميع الكليات باستثناء الطب البشري وطب الأسنان وذلك لتمكينهم من الالتحاق بسنة الامتياز، وعودة الأمور إلى طبيعتها لباقي الكليات من حيث توقف التدريس، خصوصاً وأننا في الاردن ولحين بداية الفصل الصيفي سوف نكون قد تعافينا من الوباء، طبعاً مع الحفاظ على معايير السلامة في الصيف من تباعد اجتماعي ومستلزمات وقاية شخصية مع إغلاق مراكز التجمعات داخل الجامعة إن استدعت الحاجة لذلك.
البديل الثاني: إن كان البديل الاول غير ملائم فمن الممكن إعادة جدولة الرزنامة الجامعية بما يتناسب مع تخصيص شهر تكميلي للفصل الثاني ومن ثم يبدأ الفصل الصيفي، آخذين بعين الاعتبار تقليص عطلة أعضاء الهيئة التدريسية التي تمنح لهم في الصيف. واكرر هنا استثناء كليات الطب ايضاُ.
البديل الثالث: اعتبار جميع الطلبة ناجحين للفصل الثاني دون عمل امتحانات، كما فعلت الكثير من الجامعات حول العالم، على غرار الجامعات الكبرى في العالم.
وفي النهاية لا يسعني سوى أن أقول حمى الله طلابنا والوطن والملك والعالم بأسره من هذا الوباء اللإيم ومن كل مكروه، وعاودوا المحبة والسلام والتسامح كي يعاود الله فتح بيوته لنا من كنائس ومساجد لزيارته، فإن الله غفور رحيم.