على أكثر من موقع إلكتروني محلي، نشرت قبل حوالي أسبوعين قصة اعتبرها البعض جريمة كبرى، وفي أحسن حال اعتبرها هؤلاء ترفا غير مشروع وسلوكا برجوازيا لا يخلو من استعراض، وانهالت التعليقات غير اللائقة التي وصلت إلى حدّ الإهانة والتجريح التي نالت من كرامة بطلة القصة المتهمة بجريمة الرفق بالحيوان؛ لأنها ببساطة امرأة تحب القطط وتربّي في بيتها واحدة، وتمّ من خلال تلك التعليقات التي نشرت من دون أدنى
رقابة كما يبدو، تحميل حكاية قطة السيدة التائهة تبعات قضايا المنطقة الشائكة من حصار غزة إلى حرب لبنان إلى تعثر عملية السلام إلى البطالة والفساد والفقر والجريمة والجوع، كما اقترح عليها أحد المعلقين الانتحار من باب الاستهزاء والسخرية طبعا، حزنت كثيرا من أجل تلك السيدة الأردنية الفاضلة التي فقدت قطتها فلجأت إلى الاستعانة بالأمن للعثور عليها، وهي الحبيبة إلى قلبها، وقبل ذلك نشرت المواقع ذاتها خبرا عن مبادرة فتاة أردنية لإنقاذ حمار جريح في منطقة البحر الميت، ونالت الفتاة المسكينة التي اقترفت جرم الرفق بالحيوان كذلك، حظّها من الاستنكار والتجريح والسخرية لدرجة أن البعض أعرب عن أمنيته بأن يكون حمارا لا ليتميّز بصفتي الصبر والمثابرة، بل ليحظى بالرعاية ذاتها، وهذه صورة مسيئة للغاية، وتبعث على الأسف من دون شك.
وكما هو معروف لدى الجميع فإن أخبارا كهذه كانت ستعد عادية جدا بل أقل من ذلك؛ لأنها تعبر عن سلوك إنساني رقيق رحيم تجاه مخلوق ضعيف، لو أن الواقعتين حدثتا في الغرب الذي نعده متوحشا.
فالإجراء الطبيعي عندما تضيع قطة احدهم هناك أن يحاول العثور عليها بكل الوسائل الممكنة، وإذا علقت قطة شقيّة بين أغصان شجرة فإن كوادر الدفاع المدني والمطافئ تسخّر وتستنفر لغايات إنقاذها، وحين يصادف أحدهم حيوانا جريحا فإنه يهبّ لنجدته بشكل عفوي.
خلال إقامتي في الولايات المتحدة كان ثمة كلب ذكي يعود لعجوز أميركية من أصول عربية، لطالما عانى هذا الكلب من توتّر نفسي حاد كلما زارها عرب وافدون؛ لأنهم يبدون ضيقا وخوفا واضطرابا بسبب وجوده في الحجرة ويتصرف أهل الدار باسترخاء، فتضطر لإرساله إلى القبو لحين مغادرتنا، حتى إنه صار يهبط الدرجات من تلقاء نفسه مجرد سماعها تتكلم اللغة العربية المكسرة، وأخبرتنا بكلّ تأثر أنه كان يعتب (ويحرد) منها؛ لأنها تسيئ إلى مشاعره من أجل بني جلدتها.
ولم تكن تقل ذلك من باب السخرية بل كانت جادة في كل حرف، وأظن أنها عاشت صراعا حقيقيا بين مشاعر الحنين إلى وطنٍ غادرته منذ زمن طويل تستعيد بعضا منه في التواصل معنا، وإحساسها بالذنب الفظيع تجاه كلبها الوفيّ، وكلّي يقين أنها حسمت صراعها بالنتيجة لصالح الكلب مرهف الحس؛ لأنها كفّت عن توجيه الدعوة لأي منّا؛ حرصا على مشاعره من الأذى، لم تكن تلك السيدة برجوازية جوفاء تمارس الاستعراض بل كانت امرأة عاملة كدحت عمرا لتحظى بشيخوخة مريحة، وكانت تتمتع بقلب معطاء عطوف يدرك معنى قيمة الحب بمعناه البسيط الجميل الذي يطغى ليشمل الكون بأسره، وهذه مهارة يفتقر إليها كثيرون منّا لشديد الأسف!
الغد