مضى حوالي عاماً ونصف على مشاعر التفاؤل والغبطة لعامة الأردنيين عندما دحر الجيش النظامي السوري التنظيمات الخارجة عن القانون وأعاد السيطرة على جزء كبير من أراضيه وبالأخص المناطق الجنوبية المحاذية للأردن والمعابر الحدودية، وتأملنا كأردنيين في الوقت آنذاك ان ذلك سيؤسس لمرحلة جديدة من اعادة للعلاقات السياسية والاقتصادية الى طبيعتها ورفع درجات التنسيق الأمني، و للأمانة، حصل في ذلك الوقت عدد من المؤشرات التي استمرت لبضعة اشهر تؤكد ان الدولة الأردنية ترحب بعودة العلاقات الثنائية وتشجع على عودة سوريا الى الحضن العربي عبر انهاء تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية.
والحقيقة ان موقف إعادة المملكة الأردنية الهاشمية لعلاقاتها مع الجمهورية العربية السورية هو موقف براغماتي يتفق مع مصالحها الوطنية ويستند على المفاهيم الفكرية لمدرسة السياسة الواقعية في كيفية إدارة العلاقات الدولية،وبالتالي هو موقف عقلاني بحت ولا يستند على مشاعر عاطفية وان كان لها قدر من الاجلال تتمثل بضرورة الانتصار للعروبة وتعزيزروح التأخي العربي.
فعودة العلاقات مع سوريا من شأنها ان تعزز من المنعة الاقتصادية للأردن، ولا يقتصر ذلك على نمو التبادل التجاري الذي من شأنه ان يدعم القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية الوطنية بل يشمل أيضا انخراط أوسع للقطاعات الاقتصادية الوطنية في مشاريع إعادة الاعمار المستقبلية في سوريا.
وسيسهم بتمكين الأردن على رفع قدراته الامنية وخفض الكلف المادية والمعنوية المترتبة على تحصين الحدود لصد التنظيمات الإرهابية وما يرافق ذلك من جرائم منظمة كتهريب المخدرات والسلاح.
وسيقف بوجه أطماع التنظيمات المذهبية الناشطة في الأراضي السورية والتي تسعى الى ان تجعل من دول المنطقة احجاراً على رقعة شطرنج تُلعب في طهران. بالإضافة الى ان ذلك سيؤدي الى تعزيز موقف المملكة الجيوسياسي وخياراته الاستراتيجية في دحض الاطماع الإسرائيلية وصد الإجراءات الغاشمة أحادية الجانب من قبل حكومة الوحدة الإسرائيلية الجديدةالتي نجمت عن ولادة غير شرعية لصفقة القرن المشؤومة من ضم لأراضي غور الأردن وشمال البحر الميت والبؤر الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الا انه وبالرغم من كل ما تم ذكره لم تعود بعد العلاقات الأردنية-السورية الى مبتغاها المنشود، هذا وبالرغم ان كافة التحديات التي تواجهه المملكة قد تعمقت وتوسعت نتيجة لتفشي وباء الكورونا وما يرافق ذلك من تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني وجيب المواطن، بينما لا يبدو لمن يتابع الحالة السياسية في المنطقة ان تحدي وباء الكورونا سيشغل الجانب الإسرائيلي قيد أنمله عن تنفيذ اطماعه التاريخية بل على الخلاف من ذلك، بحيث وبعد مضي حوالي فترة عام كامل من انسداد للأفق السياسي الداخلي في اسرائيل تخللها خلافات بين الأحزاب السياسية أدت وبشكل اضطراري وضد رغبة الرأي العام الاسرائيلي الى عقد ثلاث انتخابات تشريعية متتالية لم يتوصل عبرها الخصوم لتفاهمات.
الا ان أعداء الامس حلفاء اليوم (غانتس ونتنياهو) توصلوا الى اتفاق نجم عنه تشكيل حكومة وحدة وطنية سيترأسها نتنياهو لمدة 18 شهرا،ويبدو ان الجانب الإسرائيلي يعزم على ممارسة هوايته التاريخية بعدم تفويت الفرص وانتهازها، وينظر الى الانشغال الدولي والإقليمي بوباء كورونا كفرصة تاريخية لتحقيق مأربهم غير المشروعة واطماعهم التاريخية بالقضاء على فرص انشاء دولة فلسطينية على ترابها الوطني. وفي المقابل يوظف المتشددين واتباع الحرس الجمهوري في إيران فشل الحكومة هناك بالتعاطي مع وباء الكورونا لغايات فرض مزيد من السيطرة والاحكام على الوضع السياسي الداخلي واضعاف خصومهم المعتدلين نسبياً وعلى رأسهم رئيس الوزراء روحاني وفريقه بغية الحسم المبكر لنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة لصالحهم.
والحقيقة أن العائق الرئيسي الذي يحول دون عودة العلاقات الأردنية-السورية الى طبيعتها المنشودة وبشكل يتماشى مع مصالحنا الوطنية هو امراً يتعلق بمسائل خارجه عن دائرة القرار السياسي الوطني وصنعه، فهي متعلقة بوجود نصوص قانونية أمريكية صريحة تمنع تحقيق ذلك تحت طائلة فرض العقوبة بحيث وبعد تبني الكونغرس الأمريكي لقانون سيزر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019، والذي تضمن على نصوص قانونية تفرض عقوبات على المؤسسات التي تتعامل تجارياً مع الحكومة السورية، قام الرئيس الأمريكي بالمصادقة على القانون الفيدرالي المعني بسياسة الدفاع وميزانية وزارة الدفاع الأمريكية للعام 2020 والذي ضم ذات النصوص القانونية التي تمنع التعامل التجاري مع الحكومة السورية. وبطبيعة الحال وبسبب الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية، والتي بموجب مفاهيم الفكرية ايضاً للمدرسة الواقعية في إدارة العلاقات الدولية فأنها بالنسبة للأردن حاليا لا غنى عنها، وتعتبر على درجة عالية من الأهمية الاستراتيجية وتربطنا مع الإدارة الامريكية والمؤسسات الاخرىالمؤثرة علاقات مبنية على الشراكة، وتتلاقى مصالحنا الوطنية المشتركة في عدة مسائل،وبالتالي سيتطلب الحل إيجاد مخرج قانوني لنصوص الإذعان هذه، والتي تعاقب الأردن قبل ان تعاقب سوريا، وبشكل لا يمس مطلقاً بهذه الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة التي لا غنى عنها.
ويتمثل الحل الانسب بالتوصل الى تفاهم سياسي ودي مع الادارة الامريكية والكونغرس الأمريكي والأصدقاء في الحزبين الجمهوري والديمقراطي بإقناعهم بضرورة استثناء الاردن من النفاذ القانوني لنصوص القانون الفيدرالي والعقوبات المفروضة، وذلك كما سبق ان حصل قبل ربع قرن في اعوام التسعينيات عندما تمتع الأردن باستثناء من العقوبات الاممية التي فرضت على العراق الشقيق بموجب قرارات صدرت عن مجلس الامن الدولي، ومثل ما يحصل حالياً من استثناء للعراق من العقوبات الامريكية المرتبطة بالتعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي تم تمديدها مؤخراً. وسيعتبر ذلك الاستثناء بمثابة تعويض عن عدم إمكانية قيام الولايات المتحدة كشريك استراتيجي من منح الأردن مزيد من المساعدات المالية علاوة عن تلك المقررة سابقاً، وستعبر عن إدراك مشترك للتحديات التي تواجه البلدين الناجمة عن الوباء وتداعياته الاقتصادية وتعكس الاهتمام الأمريكي بضرورة ان يتمكن الأردن من صون امنه الوطني وتعزيز منعته الاقتصادية واستقراره.