لا شك في أن العلاقة بين التجار والمستهلكين هي علاقة متوترة على مرّ العصور؛ فالتجار يسعون لتعظيم الربح والمكاسب، والمستهلكون يسعون من جهتهم للحصول على منتج جيد وبأسعار معقولة، هذه المعادلة، في المجمل، غير متوازنة، وتكون لصالح التجار، في أغلب الأحيان، وذلك لأسباب عدة من أهمها استغلال التجار لحاجة المستهلكين، وبخاصة للمواد والسلع الأساسية؛ وثانيًا غياب القوانين التي تحمي المستهلك أو غياب الآليات لتطبيق القانون في حالة وجوده.
نعلم جيدا بأن التجارة ليست عملًا خيريًا، وأن من يحتاج لسلعة أو خدمة معينة عليه أن يدفع للحصول عليها. ولكن أيضًا التجارب العالمية تشير إلى وجود هامش من الربح معقول لكل قطاع أو سلعة معينة، ما يسمح للتجار ومقدمي الخدمات من الربح، وللمستهلكين بالحصول على الخدمة أو السلع بسعر معقول.
أزمة كورونا والإجراءات التي اتخذت لمكافحتها، ولا سيما الحظر وغيرها من القرارات، أدت إلى ارتفاع الطلب على السلع والخدمات، ومعها ارتفعت الأسعار بشكل جنوني على بعض السلع وتضاعفت أسعارها، ما أدى إلى نوع من "الفلتان" في معادلة حقوق المستهلك، ليس في المناطق الشعبية فقط ؛وإنما أيضاً في كافة المناطق التي تقطنها الطبقة المتوسطة وغيرها من الطبقات، حيث أصبح الاستغلال للأزمة من جانب التجار هو النمط الغالب وبدون حسيب أو رقيب. الحكومة أعلنت أكثر من مرة السقوف العليا لبعض السلع، وبخاصة الخضار والفواكه، وهددت بإغلاق المحال التي لا تلتزم بهذه الأسعار، ولكن المشكلة لا تكمن بتحذير الحكومة أو مدى جديتها بتنفيذ هذه التهديدات؛ وإنما بقدرتها على فعل ذلك؛ لأنها تحتاج لجيش من الموظفين لتطبيق القانون أو إنفاذه لا بل إنه في بعض الأحيان تكون الحكومات، وتحديداً في الظروف العادية في صف التجار وليس في صف المستهلكين، إما لتطابق المصالح أو لعدم القدرة على الردع. الكل يتذكر تدخل جلالة الملك وتوجيهه الحكومة بإعادة النظر في أسعار الدواء في الأردن والتي تعتبر من الأعلى في المنطقة والذي أدى لتخفيض أسعاره محلياً.
بالطبع، نعلم أن هناك تجاراً يستغلون الظروف لمضاعفة أرباحهم، في المقابل يوجد العديد منهم الذين وقفوا مع المستهلك من باب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية وانطلاقًا من روح التكافل التي ما زالت موجودة بالمجتمع، ولكن للأسف لا يمكن التعويل على الضبط الذاتي للتجار في تحقيق ذلك.
ويكمن الحل الوحيد في دور مؤسسات المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق المستهلك. وبالرغم من الجهود المشكورة لجميعة حماية المستهلك، إلا أن هذه المسألة يجب أن تكون أيضًا موجودة على أجندات متطلبات حقوق الإنسان والمركز الوطني لحقوق الإنسان. هذه المؤسسات مطالبة أيضًا بإجراء الدراسات وتطوير الآليات لتمكين المستهلكين من الدفاع عن حقوقهم وأنفسهم. كما تكمن المشكلة أيضًا في أن المستهلكين يتباينون في خلفياتهم الاقتصادية والاجتماعية وقدراتهم المالية، ما يُصعّب عملية توحيدهم في أطر تدافع عنهم.
ولا يقتصر الاستغلال الذي يتعرض له المستهلك والتعدي على حقوقه خلال وقت الأزمة فقط؛ وإنما يتعداه أيضًا الى ما بعد انتهائها. وعليه؛ يجب أن يكون هذا الموضوع مطروحاً على الأجندة الحقوقية لمنظمات المجتمع المدني خصوصاً والمجتمع المحلي عموماً.