أن تعود الحياة لما كانت عليه قبل كورونا في مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ضرب من الخيال وأحلام الكوابيس،وهو ما يتفق عليه السياسيون والاقتصاديون والقادة والشعوب ليس في الأردن فحسب بل في كل دول العالم، وهو ما يعني تحولات عميقة فرضتها كورونا، سيكون عنوان التعامل معها ومعيار النجاح الخروج بأقل الخسائر وليس تحقيق المكاسب.
تلك التحولات العميقة أفرزت مشهدا تقليديا في الأردن عنوانه التدافع من قبل النخب الطامحة بقيادة المرحلة الجديدة لما بعد كورونا، من خلال مشاريع وتوصيات ودراسات ولجان وتصريحات عبر حضور إعلامي مكثف، تتطلع غالبيتها للاستفادة من كورونا واستثمارها وليس مواجهة تداعياتها بسيل من الاقتراحات الجاذبة والناقدة لسياسات الحكومة وإجراءاتها وقراراتها بالتعامل مع كورونا، بما في ذلك النجاح في احتواء الوباء، وما يوصف ب"الفشل" في التعاطي اقتصاديا مع الأزمة وخاصة القرارات الخاصة بالاقتطاعات من الرواتب والتعامل مع القطاع الخاص.
لعل القاسم المشترك بين الطروحات التي تصدر عن رموز وشخصيات مراكز قوى تنتمي لتيارات بيروقراطية او ليبرالية هي تلك القناعة بان هناك فرصة لإعادة التدوير وتولي الإدارة العامة أصبحت سانحة،في ضوء الاستحقاق بانتهاء عمر البرلمان الحالي، رغم أنها قضية لم تحسم بعد، فيما تتسيد المشهد قناعات"شعبية" راسخة بان التيارين فشلا في تحقيق الأهداف الكبرى للتنمية عبر السنوات الماضية، رغم ما يبدو ما قدمته كورونا من شواهد على تسجيل نقاط لصالح البيروقراط ضد الليبرالية في إدارة الأزمة،في إطار تحولات عالمية لم يكن الأردن استثناءا منها عنوانها كفاءة "الدولة العميقة" في التصدي لازمة كورونا، ومؤشرات عودة الدولة الوطنية.
التنافس المحموم اليوم بين النخب لتقديم نفسها بوصفها أنها الأقدر على مواجهة المرحلة القادمة والتعامل معها، تتجاوز حقيقة التحولات التي أفرزتها كورونا وتداعياتها القادمة، والتي تحتاج لمفهوم"التفكير خارج الصندوق" وتجاوز مفردات الخطاب الإنشائي الذي يقدم نقدا لقرار او توصية تلامس عواطف قطاعات شعبية متضررة من السياسات الحكومية.
استمرار مواجهة تفشي كورونا وتقديم الصحي على الاقتصادي والسياسي ليس موضع مساومة وجدالات، لكن عاجلا ام آجلا سيكون الأردنيون أمام تحديات حقيقية، لا يمكن ان تحلها مخرجات الصراعات النخبوية التي تجري بين مراكز القوى، فتغيير الوجوه لم يكن حلا يوازي حجم التحدي الجديد،ولا يعبر من قريب او بعيد عن مقاربات التفكير خارج الصندوق، فتلك النخب جزء ومكون أساسي من هذا الصندوق، تتباين مواقعها يمينا ويسارا داخل الصندوق نفسه.
حوارات النخب اليوم حول الرأسمالية المتوحشة والاشتراكية والبعد الأخلاقي والإنساني للازمة لا تحظى باهتمام الرأي العام، الذي يتوق للخروج من المرحلة بأقل الخسائر، ولسان حاله يقول :ليكن من يقود الإدارة العامة اشتراكيا او رأسماليا،لكن المؤكد انه لن ينظر بعين الرضا لأية أسماء سبق وتولت مواقع في صنع القرار، تتحمل مسؤولية بصورة او بأخرى لما آلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية،بفعل مديونية خانقة لم يعد الخروج من تداعياتها امرا سهلا.
اتجاهات تداعيات كورونا وتحولاتها لا تحتاج إلى مؤتمرات وندوات ،بدءا من الاعتماد على الذات في إنتاج الغذاء والدواء،والانفتاح على المحيط الإقليمي، والتنقيب عن الفرص ومواجهة تحديات البطالة والفقر واحتمالات عودة العمالة الأردنية من الخارج،وغيرها من العناوين بما فيها تحولات التكنولوجيا والاتصالات، وما تتيحه من فرص قادمة، وإنما تحتاج للرجل المناسب في المكان المناسب، فهناك من اخفق ومن نجح، وهناك ثنائيات سقطت بلا رجعة، وقيم جديدة عنوانها شباب بخطاب جديد أكثر واقعية يتجاوز تلك الثنائيات، بما فيها البيرواطية والليبرالية.