كيف رفض التل والهنداوي تـنـجـيـح ابـن الرئـيـس؟
د.مهند مبيضين
30-04-2020 12:51 AM
مما يرويه صديق عتيق في مذكراته التي يعدها للنشر وهو خبير وعليم برجال الوطن ، ان رئيس وزراء سابق، غضب جدا لان نجله الأكبر رسب في امتحان المترك، فلم يتصور أن ابنه فشل، وكان رئيس الحكومة آنذاك الشهيد وصفي التل سنة 1965، وذهب الرئيس إلى الملك حسين رحمه الله، مشتاطا غضباً، كيف يرسب ابني وكيف نعدل النتيجة؟ فاستغرب الملك الطلب من رجل الدولة الأسبق، ولكن الملك الذي كان يثق بوزير التربية يومها وهو ذوقان الهنداوي رحمه الله، قال: لنسأل ذوقان.
وذهب رئيس الوزراء المتقاعد حينها إلى ذوقان الهنداوي، طالباً منه اعادة النظر في نتيجة ابنه مغلقا حديثه بأنه جاء من فوق، يعني بعد مقابلة الملك، ولكن ذوقان قال ابداً لا يمكن ذلك، وخرج الأب غاضبا على تصلب وزير التربية، وعلم الملك حسين بموقف ذوقان الصلب المتشدد وفرح به لكن التفاصيل لم يقلها الاب الغاضب للملك، وحين سال الملك وصفي التل ماذا فعلتم، مع الرجل، بادر وصفي للاتصال بذوقان.
وجرى حديث هاتفي كما يقول صاحبنا :» اتصل رئيس الوزراء وصفي التل هاتفيا بالوزير الهنداوي وأخبره عن هذه المساعي وسأل الوزير عن رأيه، وعندها أجابه الهنداوي إنني أفضل الاستقالة على أن أوافق على اعادة النظر في الامتحان وعندها قال له وصفي «ياذوقان لو جاوبتني غير هذا الجواب لقلت لنفسي هذا ليس ذوقان الذي أعرفه. فقال وصفي للملك: ولا شي سيدي، ذوقان حط استقالة امامنا ففرح الملك وانبسط».
هذه السيرة والنقاش حول مقاومة المسؤول المحترم لضغط الفاسدين سواء كانوا مواطنيين عاديين ام رجال سلطة سابقين، هو زمن كبير وجميل أن نقرأ في سيرة الأردنيين ما هو جميل ومفيد، ويغني عن مقولات النزاهة ومحاربة الفساد الرائجة اليوم، فلو لم يفسد المسؤول أيا كان صغير ام كبير لما فسدت البلد.
وصفي التل الذي طالبته الحكومة بملبغ 7 قروش ثمن طن حطب اواخر الخمسينيات، ولاحقه وهو محلق في طهران تاجر اجهزة كهربائية ارمني الأصل بثمن ثلاجة ابتاعها منه، لم يجد بداً إلا أن يرسل قريب له لسداد الدين، وفي الذاكرة القريبة اذكر أن الدكتور احمد الهنداوي نشر وثيقة تناولها الإعلام قبل أربع أعوام مفادها أن والده المرحوم أعسره العام 1989 وهو رئيس للديوان الملكي ن يملك مبلغ 200 دينار لكي يكرم رئيس الحكومة الشريف / الأمير زيد ين شاكر/ الذي قبل دعوته للغداء. فارسل لخاله طالبا قرضا عاجلا لتكريم الضيف.
ذوقان الهندواي الذي اضطر ابنائه المحترمون ذات يوم لتسوية ديون والدهم مع البنك العربي، بعد التهديد ببيع الارض والدار بالمزاد العلني، هو ابن لسالم الهنداوي زعيم لواء بني عبيد وأحد زعماء محافظة اربد والاردن، وهو الذي تسلم مناصب وزارية لاكثر من ثلاثين عاما ونائبا لرئيس الوزراء ، و رئيس الديوان الملكي ، والسفير لعدة دول، وكذلك الحال مع وصفي التل ابن مصطفى وهبي التل، وهو وأي وصفي احد ابرز رجال السياسة في الوطن، وابن العائلة سياسية عريقة، لكنه ظلّ مديونا طيلة عمره.
واليوم يخرج بعض الساسة وقد ورثوا عن ابائهم وزارات واموال وشركات بمقولات النزاهة وقياس الأداء، وينسى هؤلاء، أن اداء وصفي وذوقان كان لله والوطن وقيادته خالصا ويذكره الناس وقد عاشوا عدلهم وشجاعتهم في الموقف، وهم الذين يذكرهم الناس،اما القادمون اليوم لزماننا المثقل بهم فهي عبء تاريخي من مخلفات الاستعمار القديم والجديد.
الدستور