الثقافة بإحدى تعريفاتها المبسطة، سلوك اجتماعي مكتسب، تلعب البيئة دورا أساسيا في تشكيلها وتأطيرها، وتدلل في إحدى معانيها المباشرة على الفطنة والحذاقة .
وفي بعض الظروف الاستثنائية التي تمر بها المجتمعات، تحتم أحيانا أن يعدل الأفراد من بعض سلوكياتهم تجاه أمر ما، بما ينسجم مع قواعد اللعبة الجديدة، يفرضه إيقاع الحياة ولو بشكل مؤقت، للخروج من مأزق ما، قد يفرض نفسه على المشهد العام بضراوة، على غرار ما يمر به العالم أجمع في مواجهة كوفيد 19.
ولعل ما تقوم به الدول من إجراءات وقائية في مواجهة أي وباء لا يعترف بوجود أي حدود سياسية، أن تلعب ثقافة الشعوب دورا طليعيا في تحديث منظومتها السلوكية، من أجل حماية الفرد والمجتمع على حد سواء، باتباع التعليمات وتنفيذها دون أي تأفف، حفاظا على أمن وصحة وسلامة المجتمعات، التي بالضرورة سيلعب مدى وعيها دورا رئيسا في التصدي لأي آفة سواء أكانت صحية أو غيره.
ولتحقيق هذه الغاية لا بد للدول من العمل على غرس قيم ومفاهيم جديدة، من شأنها النهوض بالمجتمعات والارتقاء بها، حتى لا تظل رهينة لعدم المعرفة، فإجادة فن الاستماع أحيانا بحد ذاته كفيل بشق الطريق نحو المستقبل الآمن، والصعود إلى قمة الجبل.
العمل على تحديث منظومة القيم، لم يعد ضربا من الخيال أو نوعا من الترف، بل ضرورة حتمية يفرضها واقع حال لا مفر منه، لمن أراد أن يصنع مجدا ويسير في وضح النهار، بعيدا عن وحشة العتمة.
الإنسان كائن قادر أن يميز بين الغث والسمين، وقد وهبه الله العقل ليتدبر أمره ويكون قادرا على التكيف في أي بيئة يعيش بها.
وفي السياق، فقد تمكن الأردن على صعيد جبهتنا الداخلية من جمع خيوط المعادلة الصحية، بتكتيك فريد من نوعه، عبر كوادر صحية مؤهلة وحزمة إجراءات احترازية أثبتت نجاعتها في الحد من انتشار الفايروس اللعين، ووضع خطة محكمة للعمل على محاصرته والحد من انتشاره ما أمكن.
وبرغم ما حققه الأردن من نجاحات متتالية في التعاطي مع هذا الوباء، ما زال هناك من يشكك بإجراءات الدولة الوقائية، ويغمز بأدواته الواهنة إلى أن وراء الأكمة ما وراءها.
من حقنا أن نتفاءل بما حققه الأردن حتى الآن على صعيد هذا الملف، لكن تريثوا يا رعاكم الله، لا نريد أن يدفعنا التفاؤل الزائد وبعض القرارات الحكومية الرامية الى تخفيف مظاهر الحظر إلى سلوكيات خاطئة، والتغاضي عن أصول القواعد الصحية، في تطبيق الثالوث المتلازم المتمثل في التباعد والكمامات واستخدام القفازات، حتى لا نعود إلى المربع الأول لا قدر الله.