هل العالم مستعد للجائحة القادمة؟
29-04-2020 09:37 PM
عمون - منذ سنوات، يحذّر العديد من خبراء الصحة في العالم من أمراض ناشئة محتملة، حيث إن الفيروسات تتحوّر وتطوّر نفسها، ويمكن أن تنتشر بشكل متسارع. اليوم تمثل الأوبئة أقل من ربع الوفيات في جميع أنحاء العالم معظمها في المناطق الفقيرة أو المدارية.
هذه المعطيات تشير إلى أن الأوبئة تتجدد، وأن الفكرة التي ظهرت في الستينات من القرن الماضي بأن الأمراض المعدية في طريقها إلى الزوال، انتهت في الثمانينيات عندما ظهر فيروس نقص المناعة المكتسبة. ورغم التطور التكنولوجي والطبي الكبير، إلا أن خطر تطور الأمراض المعدية الجديدة ما زال قائماً.
هذا الشهر، وفيما يكافح العالم جائحة كورونا، حذر المسؤول الصحي الروسي ألكسندر مياسنيكوف، من أن العالم سيواجه وباء عاماً أكثر فتكاً من «كورونا». مياسنيكوف، وهو طبيب مشهور في روسيا، ومتحدث باسم مركز المعلومات الخاصة بفيروس كورونا، يقول: «لا مفر من حدوث وباء ثان، هذا سيحصل بالتأكيد. كلنا ننتظر وباء خطيراً سيبلغ درجة فتكه 30 - 35 %». وأشار مياسنيكوف، الذي سبق أن أعلن أنه أصيب بعدوى كورونا وتعافى منها، إلى أن الخبرة الدولية في مواجهة جائحة فيروس كورونا من شأنها أن تساعد العالم في الاستعداد بشكل أفضل لهذا الوباء الخطير الجديد.
تحذيرات قديمة
لكن التحذيرات من وباء قادم، لم تظهر في ظل جائحة كورونا فحسب، بل قبل ذلك بسنوات. أسبوعية «لوبوان» الفرنسية كشفت أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية توقعت منذ 2008 ظهور وباء عالمي مرتبط بفيروس كورونا، وذلك ضمن تقرير تم توجيهه إلى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تحدث عن احتمال ظهور مرض تنفسي حاد شديد العدوى لا علاج له يمكن أن يسبب جائحة عالمية.
وفي عام 2015، اعتبر مؤسس شركة مايكروسوف، بيل غيتس، الوباء القاتل أحد أكبر ثلاثة تهديدات في العالم، بجانب تغير المناخ والحرب النووية، وقال «على العالم أن يستعد للأوبئة بنفس الطريقة الخطيرة التي يستعد بها للحرب».
وتطرقت الإعلامية الكوميدية الأميركية إلين ديغينيريس، إلى مقطع فيديو وثق خطاباً ألقاه غيتس ضمن سلسلة خطابا ت عام 2015، قال فيه إن العالم سيتعرض لوباء خلال العقود المقبلة، سيقتل 10 ملايين شخص.
مؤخراً، وخلال لقاء أجري بتقنية الفيديو، سألت ديغينيريس الملياردير الأميركي، عما إذا كان قد استعد للوباء الذي توقعه، كما هو الحال اليوم مع فيروس كورونا، فيرد قائلاً: كان الهدف من حديث عام 2015، هو أن تعمل الحكومة لتستعد وتكون جاهزة للوباء التالي. وأضاف: «كان هذا سيعني أنه سيكون لدينا القدرة على التشخيص بسرعة كبيرة، ولدينا الأدوية بسرعة كبيرة، وحتى اللقاح.. كل هذه الأشياء كانت ستحدث أسرع بكثير مما نمر به الآن».
المرض إكس
في الثالث من يونيو 2019، توقع علماء في تقرير نشره موقع ديلي ستار الإخباري البريطاني بحصول عدوى لن يكون الأطباء على علم مسبق بها. وطبقاً للعلماء، فإن «المرض إكس» يمكن أن يتطور عن تحوّر في فيروسات الإنفلونزا، مثل التحوّر الذي أدى إلى ظهور الحصبة الإسبانية الفتاكة، التي قضت على نحو 50 مليون شخص مطلع القرن العشرين.
كما يمكن لـ «المرض إكس» أن ينشأ عن تحوّر للفيروس المسبب لإنفلونزا الطيور. وبالرغم من أن هذا النوع من الفيروسات لا ينتقل سوى بين الحيوانات، إلا أن تحوراً في التركيبة الجينية للفيروس قد تجعله قابلاً للانتقال إلى البشر.
وبحسب الدكتور جوناثان كويك، رئيس مجلس الصحة العالمي الأمريكي، فإن هناك خطراً من أن يكون الفيروس هذا سريع الانتشار بين البشر، مما يصعّب مهمة التعامل معه.
في أكتوبر 2019، أطلق موقع «بروجكت ساندكيت» المتخصص، ما يشبه التحذير، إذ طلب من القراء تخيّل السيناريو التالي: في غضون أيام قليلة، من المرجح انتشار وباء الأنفلونزا القاتل في جميع أنحاء العالم، ما قد يؤدي إلى وقف التجارة ورحلات السفر، وإحداث فوضى اجتماعية، وتدمير الاقتصاد العالمي، وتعريض عشرات الملايين من الأرواح للخطر. إن انتشار مثل وقال التقرير التحذيري إن هذا المرض الخطير أصبح واقعاً وليس مجرد احتمال. ولتخفيف المخاطر، يجب على العالم اتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة الوباء المحتمل والذي وصفه بأنه «مرض القرن الواحد والعشرين».
وخلص إلى أن من شأن وباء قادم أن ينتشر بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع، ويمكن أن يؤثر بشدة على الاقتصادات العالمية، ما قد يؤدي إلى القضاء على 5% من الاقتصاد العالمي. ومع ذلك وعلى الرغم من التهديد الذي تمثله هذه الأزمات الصحية وغيرها على الأمن العالمي، إلا أن الاستعداد لها نادراً ما يمثل أولوية بالنسبة للقادة السياسيين.
في نوفمبر 2019، تنبأت الإعلامية البريطانية ديبورا مكنزي تنبأت في مقالة نشرت في مجلة «نيو ساينتست ذي كوليكشن» بتفشي وباء فيروسي جديد وخطير قادم من شرق آسيا. وبعدها بفترة قصيرة، وبالتحديد في 8 ديسمبر 2019 ظهرت أول إصابة بفيروس كورونا على أحد مالكي متاجر بيع المأكولات البحرية في مدينة ووهان الصينية.
تضافر الجهود
مؤخراً لم تعد منظمة الصحة العالمية تكتفي بإطلاق التحذيرات، وهو ما يعكس خطورة الموقف، ويدل على أن الكارثة بالفعل وشيكة جداً وفي حاجة لتضافر كل الجهود؛ حيث وضعت المنظمة قائمة بالبكتريا الممرضة، ورتبتها وفقاً للحاجة العاجلة لإيجاد مضادات حيوية جديدة ضدها، وقالت إن الأمر لم يعد متروكا للأبحاث الفردية أو لتوجهات سوق الدواء، بل يجب توجيهه ومراقبته وتمويله بشكل مركزي ومؤسسي وفاعل.
وأضافت «الأمر لم يعد هزلاً، وعلينا أن نخضع جميعا للتوصيات، ولا نخالف إن رأينا أحدنا يخالف، ولا تبدأ أبداً المخالفة؛ فالانتصار المبدئي السريع سيتحول لنكسة محققة، وكارثة تلوح في الأفق». وطالبت المنظمة الحكومات بوضع خطط قومية ووضع النظم ومراقبتها من أجل استخدام أمثل للمضادات الحيوية دون إساءة.
وشددت على أن منظمات التنمية مطالبة بتوفير الأدوية لمستحقيها في الدول الفقيرة، دون إساءة استخدام، مشددة على أهمية دعم جهود تصنيع مضادات حيوية جديدة. وطالت الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي بالالتزام بالتوصيات والخطوط الإرشادية لوصف المضادات الحيوية، ونشر الوعي الصحي بين مرضاهم، ومراقبة تنفيذ توصيات منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص، ومشاركة كل المعلومات في هذا الشأن.
هل العالم مستعد؟
في يونيو 2015، أجري، مسح استقصائي لبحوث الرأي العام بتكليف من مجموعة البنك الدولي وشارك فيه أربعة آلاف مجيب في خمسة بلدان صناعية –هي فرنسا وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وخلص ذلك المسح إلى أن معظم الناس غير مقتنعين بأن العالم أو حتى بلدهم مستعد لمواجهة الوباء العالمي القادم. ويبلغ عدد المجيبين الذين يعتقدون أن العالم سيشهد وباءً عالمياً آخر في العشرة الأعوام القادمة ضعفي من لا يعتقدون ذلك، وأقل من نصف المشاركين في المسح مقتنعون بأن بلدهم مستعد لمواجهة هذا الوباء.
يقول جيم يونغ كيم هو رئيس مجموعة البنك الدولي إن العامة على حق، إذ إن العالم غير مستعد لمواجهة الوباء «القادم». لكنه يستدرك أنه سيكون بمقدورنا أن نكون مستعدين في حال استثمرت كل البلدان في تحسين تدابير الاستعداد من خلال تقديم الرعاية الأساسية الجيدة، ورصد الأمراض، وقدرات التشخيص، والاستثمار في الأطباء والممرضين والعيادات في البلدان النامية، الأمر الذي من شأنه الحيلولة دون انتشار الأوبئة في بلدانهم وإنقاذ الأرواح والأموال. وأكد أن العالم بحاجة إلى نظام عالمي أكثر ذكاءً وأفضل تنسيقاً للاستعداد لمواجهة الأوبئة.(وكالات)