" هناك خط رفيع بفصل بين حرية الرأي واحترامه، وبين قمعه و التطاول عليه. وهناك خيط أرفع يقوم بين كلمة حق يُراد بها باطل، وبين كلمة باطل يُراد بها باطل".
في الوقت الذي يقترب فيه العالم من الوصول إلى مرحلة رَفْع كل القيود عن حرية الرأي، وإزالة أيّة حواجز أو مصدّات تعوقه أو تعثّره، في هذا الوقت، فإننا نعمل على بناء المزيد من البوابات التي ينحشر خلف مصارعها كل من يحاول أن يتحدث عن خلل أو أن يشير إلى تقصير أو أن يدل على خطأ.
حق بلدنا علينا أن نقول كلمة الحق ولو كانت جارحة، ولكنها في النتيجة ستوصلنا إلى الصلاح والرشاد. وحقها علينا أن نكون حرّاساً أمينين على صوابها وطهرها.
ألم يقف سادتنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الصديق" وُلّيت عليكم ولست بخير منكم ، فمن رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه. فقال أحدهم والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا".ويقول الفاروق: " لا خير فيكم إن لم تقولوها (كلمة الحق) ولا خير فينا إن لم نسمعها" .
قبل بضع سنين أثار أحد النواب قضية تصديرنا لأدوية "غير جيّدة" إلى احدى دول افريقيا العربية. وعندها قامت قائمة الحكومة على أساس أن هذا يسيىء إلى سمعة الصناعة الدوائية الاردنية، ولكن كان رأى المجلس أن الاعتراف بالتقصير يعطينا المزيد من المصداقيّة، وعلى عكس ما قالته الحكومة فإن التغذية الراجعه جاءت لصالح ما رآه النواب….. أليس ذلك في خدمة البلد ؟
وفي يوم رست باخرة في مناء العقبة ، وفيها شحنة من اللحوم البقرية، وبسبب سوء التبريد لم تعد الشحنة صالحة للاستخدام البشري. فمنعتها الاجهزة المختصة من الدخول. فانقضت يومها الحيتان لتضغط، لتبقي الأمر سرّاً قدر الامكان، إلا أن وسائل الاعلام لم تسكت يومها حتى انفضح الأمر.... أليس ذلك في خدمة البلد ؟
ومررنا مؤخراً بعدد من الاحداث كان أحد أطرافها أفراداً من الأمن العام. وتحدثنا حولها في وسائل الاعلام .وانقسم الرأي، فهناك من ركب رأسه وأصر على ضرورة إسكات قول الحق نفاقاً، دون أن يدري، أو ربما هو يدري، أن ذلك يحدث خللاً يقود إلى خلل، أكبر وهناك من أصر على أن المشرط يسبب ألماً مؤقتاً ولكنه يشفي من المرض.
إذن هل نحن مع ضرورة طرح القضايا على طبيعتها، وتناولها بالنقد والتحليل والدراسة، أم نحن مع الكذب والتمويه حتى نُظهر جمالاً مزيفاً. وهنا على الدولة أن تعيد قراءة سلوكياتها واستراتيجيّاتها وأساليبها ومقارباتها لكل الاحداث،وأن تضع المواطن أمام الواقع. وهذا أقل ما طلبه جلالة الملك في كتاب التكليف السامي الأخير وفي خطاب البحر الميت قبل فترة قصيرة.
يجب أن ندرك ، أن النفاق السياسي والاجتماعي والثقافي، هو أساس الفساد الذي رفعت الحكومة الأخيرة شعار محاربته بل واجتثاثه. وأول فساد يجب أن لا نكبحه، هو مفارقة فساد وضع المساحيق فوق القبح والشناعة.
ولكن هذا لا يعني الانفلات دون ضوابط، تكون على الاقل صادرة عن مراقبة الذات، وعن مخافة الله في البلد. ولكن من الجهة الأخرى يجب أن لا نستغل كلمة " قانون" لنجعله سيفاً مرفوعاً فوق كل لسان يريد أن يقول الحق. فإذا كانت الدولة لا تسمع والمواطن لا يجرؤ على القول، فإننا حتماً سنقع في الضلالة والتيه والانهيار. إننا لا نريد تفسيراً خاطئا ًللقانون، وبالمقابل لا نريد خطأ يتطاول على القانون.
دعونا فقط نتدبر دستورنا وهو أسمى القانون والهادي والمرشد، ودعونا نستعرض موادّه من الخامسة إلى الثالثة والعشرين، ونطبقها بامانه وصدق، عندها سنحقق الاصلاح بأسمى معانية.