العولمة .. إعادة ضبطها بدلاً من تفكيكها
د. عبير الرحباني
29-04-2020 02:06 AM
في مقالة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين.. تحت عنوان: "حان الوقت للعودة إلى العولمة، ولكن لنطبقها بالشكل الصحيح هذه المرة"..
وقد أكد جلالة الملك في سياق مقالته على كلمة جوهرية وهي أنه بدلاً من "تفكيك العولمة" الذي ينادي به البعض، فأن جلالته يرى بان لدينا الكثير لنستفيده من "إعادة ضبط العولمة" بدلاً من تفكيكها.. على ان نركز على تطبيقها هذه المرة بالشكل الصحيح.. اي إعادة ضبط عالمنا وأنظمته .. كما اضاف جلالته الى ان التهديدات لا تأتي فرادى، وعليه، فإن الحلول ايضاً لا يمكن أن تكون كذلك..
والعولمة بحسب تعريفي لها في احد مؤلفاتي فهي ظاهرة قديمة ومستجدة في التاريخ الانساني في آن واحد، وهي لفظ قديم لمضامين جديدة، لكنها جديده بمفهومها الحالي والذي يتمثل بنموذج (القرية الكونية)، وهي عملية مستمرة يختلف مفهومها باختلاف عصرها وتطورها... لكن مفهومها تطور وتوسع بعدما اصبحنا نعيش في "غرفة كونية" .. وبالتالي فان العولمة اليوم هي الاكثر تسارعاً وتوسعاً وتحكماً بسبب تطور وسائل الاتصال المختلفة وحتمية تكنولوجيا الاتصال وظهور الانترنت.
ولا شك بان للعولمة ايجابيات كثيرة يمكن استغلالها والاستفادة منها بالشكل الصحيح.. حيث تسعى العولمة للتركيز على قيم حضارية معينة ( كالحرية في اتخاذ القرارات والمشاركة وحق الانسان في التعليم والعيش الكريم واحترام آدميته ايضا... والاندماج والاعتماد المتبادل بين الدول والشعوب في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، من خلال وجود طابع عالمي للبحوثات ونظريات التعلم وممارسات التعليم... كما تسعى لتحقيق تزايد اعداد العلماء واعضاء هيئات التدريس من دارسين ومدرسين في الجامعات وصروح العلم... وتزايد وتفعيل شبكات الاتصال بين مختلف المعاهد والمراكز والجامعات في انحاء العالم كافة.
وتسعى العولمة ايضاً لتحقيق المشاركة الفعالة بين الباحثين في مختلف حقول العلم والمعرفة من خلال انعقاد المؤتمرات والندوات بالتعاون مع المنظمات الدولية. كما تسعى الى تنظيم برامج ثقافية وتربوية من خلال المنظمات العالمية مثل ( اليونسكو ) وغيرها.. وتحسين وتطوير الاداء الفعال واعطاء الفرص لاصحاب المواهب وحثهم على الابداع والابتكار... اضافة الى تحرير التجارة العالمية كالسلع ورؤوس الاموال من خلال العمل على توحدي الاتجاهات العالمية والتقارب فيما بينها... وتوسيع فرص التجارة العالمية من خلال زيادة الانتاجية، اضافة الى تدفق المزيد من الاستثمارات الاجنبية... كما وتسعى الى حل المسائل ذات الطابع العالمي مثل : ( مشاكل البيئة – اسلحة الدمار الشامل، الارهاب، المخدرات وغيرها الكثير.
وبما ان العولمة تساهم في تسريع عملية تقليص المعاناة وإعادة البناء... فمن الضروري ان نركز على تطبيقها بالشكل الصحيح هذه المرة كما اكد جلالته .. بخاصة الاقتصادية منها حيث أولى جلالة الملك جل اهتمامه بالجانب الاقتصادي والاستثماري بخاصة واننا نشهد اليوم وباء عالمياً ربما تكون نتائجه وعواقبه خطيرة اذا لم نستغله بالشكل الصحيح.. لذا علينا جميعا ان نشارك في إعادة ضبط العولمة من مؤسسات وشركات وقطاعات وهيئات لنوقف التشتت والتشرذم الذي يفتك بنا وكي نستطيع ان نوظفها في وطننا بشكل صحيح لنوقف التفكك وبالتالي نعزز روابطنا الكامنة ..
فنحن اليوم غير منفصلين عن العالم ولا بد من الانخراط به والاستفاده منه والانفتاح عليه بشكل اكبر .. خاصة واننا اصبحنا نشهد تدفقاً معلوماتياً اكثر من السابق .. وتدفقاً تكنولوجياً اوسع من السابق بخاصة في ظل الثورة الرقمية التي نشهدها اليوم .. الامر الذي يجعلنا نساهم في توحيد المفاهيم، والمساعدة على استعادة واقعية التكامل وتقليص التفكيك الذي نشهده اليوم .. فما توفره لنا العولمة من تدفق معرفي .. لا بد من استيعابه وان يملىء الفراغ الخطير الذي نعيشه اليوم.. كي يهيىء اجيال المستقبل ليكونوا اكثر انفتاحاً على العالم بدلاً من التقوقع والانغلاق المتزمت.. وان نلتزم الوحدة والانضباط والتلاحم بدلاً من التفكك والتمزق الذي نعيشه اليوم والذي يقف عائقاً أمام تطورنا الى الامام ..