أنت في وادي ومع الاعتذار لوديع الصافي
أ.د. عدنان المساعده
28-04-2020 04:40 PM
كثيرة هي القوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات التي ’تسن أو تتخذ تكون لصالح الناس وتنظيم حياتهم...فإشارة المرور الحمراء تقول لك قف حرصا على سلامتك وسلامة الاخرين...واذا خالفت الاشارة الحمراء فكل الذين يحترمون الاشارة من رقيب سير او مواطن واع يقول لك انت في واد ونحن في واد آخر، استنكارا لهذا العمل والتصرف الشاذ والمتهور. وكثيرا ما نجد تصرفات وسلوكيات غير صحية تمارس من قبل البعض ولا ترتقي للحفاظ على صحة البيئة ونظافة المكان وهذه التصرفات ومن يمارسها يعيش في واد والصحة العامة في واد آخر.
وفي ظلال أزمة كورونا كم من أمثال هؤلاء الذين لم يمتثلوا لتلك الخطوط الحمراء؟ وينطبق عليهم القول "انت في وادي ونحن في وادي؟. أليس كل من غرّد خارج سرب الجهد الوطني في مجابهة وباء كورونا وانساق وراء الاشاعات الهدامة والترويج لها بسبب ضيق أفقه أو الاساءة للوطن ومكوناته تشهيرا وظلما، ولكنها العقلية الانهزامية والسلبية التي تزرع الشرور وتثبّط العزائم وترسّخ السقوط في أوحال الكذب والافتراء التي تعيش في عالم التيه والضياع، وتعيش واقعا كله تناقض باختيار ما يروق لها بتهور تبعا لضلالها وأهوائها، وتمارس فهمها الخاطئ للحرية دون أن تمتلك القدرة على التمييز بين فهم الحرية والاشاعة التي يمتد تأثيرها السلبي على الفرد والأسرة والمجتمع، وكانت هذه العقول المرجفة وأصحابها يعيشون في واد والوطن في واد أخر؟
أليس كل من لم يلتزم بالحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا كان مستهترا إما عن جهل أو سوء تقدير وتسبّب في نقل العدوى للآخرين فنقل الأذى والمرض لنفسه ولغيره بسبب استهتاره وجهله وكان في وادٍ والوطن في وادٍ أخر؟ أليس من استغل حاجات الناس وبالغ في رفع الأسعار من جهة ومارس الغش من جهة ثانية وتاجر بأقوات الناس دون عقل واع يوجهه أو ضمير يوقظه أو وازع أخلاقي يردعه فانحدر الى واد سحيق مظلم وترك الوطن في واد آخر؟
أليس كل من هرب بعيدا عن المشهد ومارس سلوكيات أصبحت الفردية الضيقة تتقدم على مصلحة الوطن العليا وقيم التكافل والرحمة، وأصبح مصطلح الأنا يعشعش في عقولهم، ولا يحملون ضميرا مؤسسيا جمعيا، ضاربين عرض الحائط كل قيم المروءة والتسامي وخصوصا وقت الأزمات وخلال الظروف الاستثنائية كما هو الحال في خوض أجهزة الدولة لمجابهة معركة كورونا التي تهدد أخطارها وتداعياتها عافية الوطن كله وعلى أكثر من صعيد، لأن تطويق هذه الأزمة والتحديات لا ينجح الا بالعمل ضمن الفريق الواحد في صفوف متماسكة رصينة وتغليب مصلحة الوطن على كل المصالح الضيقة التي لا تخدم مجتمعا أو وطنا، فهؤلاء الذين غابوا عن المشهد الوطني وكأن الأمر لا يعنيهم وخذلوا أنفسهم قبل أن يخذلوا الوطن وكانوا في واد آخر؟ أليس هؤلاء الذين حجروا على اموالهم دون ان يساهموا بشيء لوطنهم في هذه الازمة ولم يلتفتوا لحاجة فقير أو محتاج أو ممن تقطعّت بهم السبل، وكان على أعينهم غشاوة وفي اذانهم وقرا بسبب بخلهم وعاشوا في وادي الأنا المقيت والوطن في واد آخر.
على أية حال مع الاعتذار للراحل وديع الصافي الذي اخذت عنوان المقالة من مقدمة لاحدى أغانيه التي أجهل مناسبة غنائها لأن معرفتي بعالم الغناء ضحلة؟ ولربما كان يدرك بحسه وصوته الجبلي ان هناك من يغردون خارج حدود وطنهم وقت الأزمات والشدائد... حالهم حال الدجاجة التي تأكل من علف البيت الذي تعيش وتقاقي (تقاقي- وهو صوت الدجاجة) في محيطه هنا، ولكنها تبيض بعيدا هناك، وما أقسى ذلك على النفس السوية أن ترى نفرا أخذ وقت الرخاء من خيرات البلد الشيء الكثير، ولكنه تقاعس وولىّ هاربا عند الشدائد والأزمات الى مكان بعيد بسبب طمعه، لا بل سقوطه وأصبح ساكنا بلا حراك وكأن على رأسه الطير. ورحم الله عليّا بن أبي طالب كرّم الله وجهه الذي سئل من أحقر الناس؟ فقال...من أزدهرت أحوالهم يوم جاعت أوطانهم.
وحمى الله أردننا الغالي وكل من انحاز الى خندق ووادي الوطن، ودام جلالة مليكنا المفدى سيدا وقائدا، وحفظ الله سمو ولي العهد الأمين.
• كاتب وأستاذ جامعي/جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
• عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الأردنية