كل ما تفعله الحكومة جميل ، وشاعري ، على الرغم من ان السؤال يبقى مُعلقا حول الذي ينتظره الناس ، من الحكومات عموما ، ومن هذه الحكومة تحديدا.
ما دامت الخزينة فارغة من المال ، وتعاني ، وتجمع اموالها ، باليوم والاسبوع والشهر ، وتعاني من سداد القروض والديون والالتزامات ، فان كل ما نراه هو جدولة لهموم الناس ، لان الشعب ينتظر تحسنا واضحا ومحددا على ظروف حياته الاقتصادية ، ويريد ان تزداد فرص العمل ، ويرتفع مستوى الدخل ، وان يُؤمن الانسان التزامات بيته واولاده ، وما دون ذلك من قرارات ومدونات وتوقيعات هنا وهناك ، فهو مجرد رسائل لا يقف عندها المواطن الاردني ، ابدا.
لا نريد احباط الرئيس ، او تصغير كتفيه ، لا سمح الله ، فكما قلت فان ما تفعله حكومته جميل وشاعري ، لكنني افكر مُطولا ، فيما بعد مرحلة الرسائل والبرامج ، اي التنفيذ على ارض الواقع ، في ظل مصاعب اقتصادية لا يعلم بها الا الله ، والمواطن الاردني الجالس يرتجف بردا في القويرة او الموقر او الزرقاء او الازرق ، او البقعة او العقبة ، يريد في المُحصلة ان يجلب الدقيق لمعجن اولاده ، وان يُنفق على اسرته ، وان يلقى وجها طيبا في الدوائر الحكومية ، وان يختفي الروتين والترهل والبيروقراطية ، وان يُعلم ابنه ، ويُعالجه اذا احتاج لذلك ، وما دامت معالجات الحكومة تنحصر في اطار النوايا ، والرسائل ، وليس بيدها اي مال لتُحرك اقتصاد البلد ، او لتُحسن ظروف الناس ، فان كل ما نسمعه ينحصر في زاوية التطمين النفسي لجماهير ملت كل شيء ، ولم يعد بوسعها ان تقف طويلا عند ماقيل في مجلس الوزراء قبل ايام عن "انجازات" يتوجب الحفاظ عليها ، وهي انجازات صحيحة بمقياس الحكومة ، وغير ملموسة بمقياس الناس ، وفرق الحساب بين ظنين واحساسين وواقعين ، هو الذي يخلق الهوة بين اي حكومة والناس.
احب لهذا الرئيس ان ينجح ، غير ان مقياس النجاح ، لا يُحدده هو ولا من حوله وحواليه ، ولربما مقياس النجاح ، هو ان يطوف احدنا اليوم على اي بيت اردني في عز البرد ، فيجد ان لا شيء نقص بيت احد. عندها سيُصدق الناس كل الخطابات والرسائل والبرامج ، وفي الذهنية العامة فقد تراكمت صور كثيرة لجدولة الاحتياجات الوطنية ، وجدولة الهموم والوقت ، ونحن امام سؤال اهم ، فبعد اسابيع تنتهي الحكومة من المدونات واعلان برامجها ، وخططها ، وبعدها يأتي السؤال: كيف ستختلف حياة الناس عمليا ، وهل هناك خطوات لتلطيف حياتهم بغير حفلات التوقيع على الوثائق ، وقد سمعنا من كثيرين ما يشي بأن الرسالة التي يريدها الرئيس وحكومته لم تصل الى الناس ، فالمواطن يتفقد جيبه ، ليعرف هل تغيرت الحياة حقا ، ام ان كل شيء على حاله ، والجواب معروف ، ولربما سيتبدى اكثر صعوبة خلال الفترة المقبلة.
لا توجد قضايا شخصية تحكم الموقف مُسبقا. القضية لها علاقة بكيمياء الرابط بين اي حكومة والناس ، والناس دوما على حق ، حتى لو كانوا على ضلالة ، فلا يُجمع الملايين من شعبنا على ذات الفكرة ، الا لانها محل اجماع وطني. كل ما يريده الناس تحسين حياتهم الاقتصادية ، وغير ذلك من "انجازات" اعلنت عنها الحكومة في اسابيعها الاولى ، "تعريف ذكي" لاعاقات سببها اخرون ، من حكومات سابقة ، فجاءت الحكومة لتُصلح ما خّربه اخرون ، وتسميه انجازا ، وهنا نسجل نقطة نظام على الحكومة التي قبلت ان ترسل اشارة حول الانجازات ، وما زال عودها طريا ، وما زالت لا تُطابق بين تعريف الانجاز بمعنى حكومي ، والانجاز بمعنى شعبي ووطني ايضا ، وبين الانجاز كفرادة للحكومة ، والانجاز بمعنى اصلاح ما خربته حكومات الدوار الرابع المتتالية.
لا نُعرقل الرئيس ، ولا.. ظلال غير الهم العام ، في كل القصة ، حتى لا يُتاجر بعضنا بالافكار والاتجاهات والمعاني الظاهرة والباطنة. خزينة الحكومة ما دامت خاوية ، والديون والعجز يقصمان ظهر الحكومة ، وظهورنا ايضا ، فأن ادارة الحكومات عبر مبدأ "التطمينات" وجدولة التعب ، امر مُضر جدا لاي حكومة ، خصوصا ، ان عدم توفر المال ، يعني ان كل شيء يتراجع ، وكل شيء سيعود الى الوراء ، وعندها لن يتمكن المواطن الاردني من نسخ اي مدونة او برنامج ، وتسييله الى نقد يسد رمقا ، او يدفع قسطا جامعيا ، او يعالج مريضا.
ما تفعله الحكومة جميل وشاعري ، غير ان شعبنا مل من "المناغشة" تحت ضوء الشموع ، ويريد لحياته ان تتحسن حقا ، وكثرة تحب الرئيس تكاد تنصحه ان لا يستغرق في فن صناعة الصورة الانطباعية ، وان نذهب الى المعالجات ، او نعترف ان هذا هو البئر وهذا هو غطاه.
.. لو كان الفقر رجلا لشنقته عند الدوار الرابع.
mtair@addustour.com.jo
الدستور