نحن وعلى ايقاع عزلة عالمية قسرية غير قادرين على التنبؤ بلحظة الإعلان عن الانتصار على كورونا، هذه العزلة الصعبة المرتبطة بالأزمة العابرة للحدود التي تواجه الأرض، تفتح الأفاق على تأملات جديدة وتساؤلات جديدة تتعلق حول صراعات تاريخية مادية تتمحور حول دور الانسان في علاقاته مع كل من نفسه، أخيه الانسان، الطبيعة الام.
ان أزمة الكورونا في نفس الوقت تضعنا في وضع يختلف جوهريا عن سابقاتها من الأزمات؛ حيث في نفس الوقت التي أثبتت مدى هشاشة وزيف هذا التقارب الموجود في مثلث العلاقات الانسانية الا انها أحيت نوعا من التضامن العالمي لدى الكثير من أفراد المجتمعات ترى بأهمية المصير المشترك للإنسانية في رسم معالم العيش المشترك بين بني البشر ومثلث علاقاته.
كورونا بعظمتها لن تكون الأخيرة في سجل أزمات التاريخ، ولكن ما يميزها انها المرة الأولى التي تضع العالم بأعراقه أجناسه، بماضيه، بحاضره تتابع بنوع من القلق ذلك الوحش الذي يجتاحها من الداخل، فبمجرد عطسة صغيرة على باب أحد المحلات كافية لتجلب لك نظرات الناس كمتهم لا يحق لك محاكمة عادلة بل انا بعضهم قد يعطيك الأولوية لتبتاع حاجياتك قبلهم للهروب منهم.
حصول هذه الأزمة قد تكون أقرب ما لتكون لحظة تحول تاريخية دراماتيكية، فكم نرى اليوم الحقيقة كثير من الأنانيات الفردية كانت تفرض نفسها على أنها مشاريع إصلاحية، لكن الوباء كمهندس لهندسة القيم الإنسانية غادرا كاشف للحقيقة عن هشاشة النظام الاجتماعي وعدم قدرته على التكيف مع التغيير الأمر الذي جعل الكثير من هذه الأنانيات تعلي ذاتها الفردية في تحقيق المكاسب الشخصية على حساب حق الجماعة.
ما بعد الأزمة؟
الكورونا لن تكون نهاية العالم، والجدل حول أصله ومصدره وما السيناريوهات القادمة للمرحلة القادمة سيكون جدالا عقيم سينسى فأن الزمن كفيل ومن الأولى لنا تحويل تمرين أنفسنا على تبديل سلوكياتنا وتحليلها بأطار يرتبط بالعنصر الوجودي للإنسانية، وهذه البيئة الضرورية التي أوجدها الكورونا لتحقّق هذا الانقلاب الفكري البشري قد تكون الفرصة الأخيرة لأقوياء هذا العالم بأن يفهموا بأن الحدود بين الدول مجرد حدود وهمية، ان ظنوا انهم الحمائية والتكنولوجيا المتطورة لن تضعهم في موقف الضحية فباعتقادي أن هذا الاعتقاد قد انتهى الى الأبد.
قد يعيد التاريخ نفسه مرات عدة، لكن سعره يتضاعف مع كل مرة، لذلك يجب على الإنسانية استغلال فرصتها التي قد تكون الأخيرة ضمن دورات الزمن الكبرى لمحاربة وحش الأنانية دون أن تكون وحشا مثله، فمع كل تحدي صعب تكون هنالك فرص للتطور. حيث الإنسانية بحاجة الى نوع المبادئ الجديدة لاستشراق المستقبل القادم، يكون دوره إعادة تنظيم علاقات الإنسان بمثلث علاقته.
أن معركة تحضير هذه النوع من المبادئ ما هي الا تحضير لمعركة المستقبل، فأن كان الحاضر خطر فيروسيا فمن المؤكد أن معركة المستقبل ستكون من نفس المجال "الطبيعة"، أو ربما يكون أنساني – وقد يكون أقربها الخطر من الذكاء الاصطناعي، وربما من علاقة الانسان بنفسها الإنسانية فكم فصح لنا عن ذواتنا الإنسانية أمور لم نكن نعرف عنها خلال العزلة القاسية وضعت الكثير منا في صراعات ذاتية داخلية مع ماضيه، حاضره، مستقبله.