صفحة من تاريخ الاردن : الحلقة التاسعة
02-06-2007 03:00 AM
نتناول في هذه الحلقة تاريخ دولة الأنباط التي عاشت فترة من الازدهار والتقدم على ثرى الأردن وامتدت حدودها إلى مناطق شاسعة من الشرق .الأنباط قبيلة عربية بدوية اهتمت بداية كمثيلاتها من القبائل البدوية بتربية الماشية ، وكانت تتنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن المراعي، شأنها شأن القبائل الرحل. وما لبث الأنباط أن غادروا شمال الجزيرة العربية ، وبعد أن تفرقوا وصل قسم منهم إلى منطقة البتراء وتعايش مع الأدوميين الذين كانوا يعيشون على أرضها في مدنهم وقراهم. وتمتعت تلك المنطقة بحكم موقعها الجغرافي بين مصر وفلسطين وشبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا بالازدهار، وقد أغرتهم الحياة التجارية لما فيها من كسب مادي ورفاهية معيشية فتركوا حياة البداوة وأصبحوا تجاراً ، وأخذت قوافلهم تجوب الصحراء حاملة الذهب والفضة والحجارة الكريمة والبهارات والأخشاب الثمينة من بلاد فارس وجنوب شبه الجزيرة العربية ، كما كانت تحمل البخور والمر من حضرموت. ولم يلبث الأنباط أن وجدوا في البتراء الحالية مستقراً لهم يخزنون فيها بضائعهم ويحتمون بين أرجائها.
وإذا كانت بداية ظهور الأنباط باحتلالهم مواطن الأدوميين في القرن السادس ق م ، فان الظلام يحيط بحوالى ثلاثة قرون من بداية تاريخهم ، لذا لم تصلنا أخبار عنهم قبل ما اورده ديودور الصقلي ، وهو يعرض لهم في القرن الرابع ، حين بدا احتكاكهم بالسلوقيين ، وإنهم لم ينخرطوا حتى ذلك الحين بحياة الاستقرار والتجارة وإنما بقوا متمسكين ببداوتهم ، الا انهم سرعان ما أصبحوا أثرياء من التجارة والزراعة بعد ذلك ، فباتت ثروة الأنباط مثار حسد فطمع فيها أحد قادة اسكندر الكبير أنتيغونس (306-301) فأرسل جيشا يتكون من 600 فارس وأربعة آلاف من المشاة بقيادة "اثينيه" كي يحتل البتراء ويستولي على كنوزها.
واستغل الرومان خروج الأنباط من بلدتهم في الأسواق المجاورة وانقضوا على المدينة ونهبوا ثروتها وهرع أحد الناجين وأبلغ الأنباط بالمأساة وعاد هؤلاء مسرعين ولحقوا بالجيش المعتدي الذي كان قد استسلم للنوم بسبب النعاس والتعب فقضوا عليه عن بكرة أبيه ولم يفلت منه إلا خمسون فارساً واستعادوا بذلك كل ما قد نهب من مدينتهم.
وقد شهد عام 90 قبل الميلاد قيام معركة دامية بين عبيدة الأول ملك الأنباط والكسندر جانيوس على مقربة من شاطئ بحيرة طبريا الشرقي ، فانتصر عبيدة واحتل جيشه المنطقة الجنوبية من سوريا (الأردن وجبل الدروز). وفي عام 87 ق م أراد انتيغونس الثاني عشر ديو نزيوس القضاء على مملكة الأنباط ، فالتقى في مؤتة بجيش من عشرف آلاف رجل بقيادة الملك رابيل ولقي أنطيوخس حتفه في المعركة وتشتت جيشه ومات عدد كبير من أفراده جوعاً وعطشاً.
وفي زمن الحارث الثالث (87-62 ق م) وصلت الجيوش النبطية إلى القدس وحاصرتها ، كما وصلت إلى الشام ، وقام أهل الشام بسك عملة جديدة تخليداً للملك العربي تحمل على أحد وجهيها صورة آلهة النصر واقفة وإحدى الآلهات جالسة على صخرة ينساب منها نهر إلهي كما وضعوا الكتابة التالية إطاراً تحت الصورة : "الملك الحارث ".
وقد اتسعت مملكة الأنباط وامتدت من وادي السرحان شرقاً إلى نهر الأردن غرباً ومن البحر الأحمر جنوباً إلى بلاد الشام شمالاً ، وتأثرت بحكم موقعها الجغرافي بالحضارة اليونانية وأصبحت عاصمتهم البتراء مدينة تفوق المدن العشر جمالاً. وحاول الرومان غزوها والقضاء على استقلالها فأرسلوا جيشاً بقيادة اميليوس سكاورس الذي تراجع بعد أن قدم له الأنباط مبلغاً من المال.
تحية لكم والى اللقاء في الحلقة القادمة .