خارطة الطريق لما بعد كورونا
د. ابراهيم سيف
27-04-2020 03:01 PM
بات في حكم المؤكد ان نمط الاغلاق والحظر الشامل في العديد من دول العالم غير مستدام ، كذلك لا تريد حكومات العالم ان تذهب جهودها والخسائر التي تكبدتها جراء مواجهة انتشار فيروس كورونا هباء، بناء عليه بدأت الحكومات والهيئات ذات الاختصاص تضع خططها لإعادة التشغيل والتعايش مع حقيقة ان فترة تطوير لقاح لفيروس كورونا المتجدد لن تقل عن عام بأفضل الأحوال.
ودخل الأردن عمليا في المرحلة الثانية من مكافحة الفيروس، حيث تم البدء بالفتح التدريجي لبعض القطاعات وتزامن ذلك مع انفتاح جغرافي في بعض المحافظات (العقبة) ، وعلى الأرجح سيتبع ذلك خطوات متشابهة ، و نقترب من موعد حاسم خلال أيام قليلة وهو نهاية ابريل الذي اعلن تمديد الحظر لأجله، فهل سيتم تمديد آخر لموعد الحظر ام اننا سوف نشهد البدء الفعلي باستعادة دورة الإنتاج والابتعاد عن التفاصيل التي ثبت عدم جدواها؟
التوجه العالمي المتزن يحاول الإجابة على تساؤل ما الذي سيحصل بعد أسبوع او أسبوعين ، على الأرجح ليس الكثير ، اذ بات الصورة والتوقعات واضحة ، وبات هناك الكثير من البروتوكولات والتعليمات الصحية الصارمة التي تضمن التباعد الاجتماعي ومراعاة الظروف الصحية التي استجدت ، ومقابل ذلك تستعيد الاقتصادات دورة الإنتاج والتشغيل، وعلى سبيل المثال نشرت بعض الدول مثل فرنسا وبلجيكا وإمارة دبي ، دليلا مفصلا يحدد كيفية التعامل مع مرحلة العودة للعمل والتعايش مع كورونا. وها هي بعض خطوط الطيران تستعد للتحليق من جديد.
الى هنا يبقى الحديث عن الإجراءات الإدارية التي لا بد من اتخاذها بالسرعة الممكنة ، وهي تتضمن ما يمكن وصفه بالمغامرة المحسوبة، لان بديل ذلك مزيد من التراجع الاقتصادي ، ولكن ما هي الدروس الاقتصادية الرئيسية والاتجاهات التي تعلمناها من الأزمة؟ لعل ابرزها ضرورة التركيز على السوق المحلية وتعزيز القدرات الذاتية على مستوى الدول وما يرتبط بذلك من تداعيات على التجارة الدولية والانفتاح الذي ميزها لعقود خلت، كذلك من الواضح ان التحولات التكنولوجية وتوظيفها لتعزيز الإنتاجية وتسخيرها لتقديم كافة اشكال الخدمات الصحية والتعليمية هي اتجاه متنامي يتطلب الاستثمار اكثر في البنى التحتية المرتبطة بتلك القطاعات ذات الافاق المستقبلية الواعدة .
تلك القطاعات تشكل فرصا استثمارية لمرحلة ما بعد كورونا ن فهي تعتمد البعد المعرفي والتقني ، وتتطلب قدرا من الابداع ، ومن شأن التركيز عليها المساعدة في تعزيز منعة الاقتصاد في المستقبل ، والمساهمة في تعزيز الصادرات وتجاوز الابعاد الجغرافية ، ولكن هذا لن يحصل دون وجود خطة محكمة ومرنة تحدد القطاعات التي يجب التركيز عليها ، وما هي الاحتياجات التمويلية والتشريعية والبشرية اللازمة للمضي في هذا النوع من التحول .
وبقدر ما أدت ازمة كورونا الى تراجع مستويات النمو ، كشفت أيضا عن ضعف بعض القطاعات التي كانت بالكاد قادرة على المنافسة والاستمرار في مرحلة ما قبل الأزمة، فهل سيتم انقاذها ماليا؟ فلنعترف بأن التحولات سيترتب عليها اندثار لبعض الأنشطة غير الضرورية ، ولنقر بأنه ليس كل الاعمال المتعثرة ، تعثرت بسبب كورونا بل كانت على حافة الهاوية .
الأزمات أحيانا تظهر بعض الفرص لتصحيح المسار واغتنام الفرص قبل فوات الأوان والتهيئة لانطلاقة جديدة بناء على مستجدات فرضت علينا ، والقدرة على التكيف هي ما سيساعدنا على استعادة زخم النمو، ولنعتبر ان الأزمة هيأت الظروف لفتح صفحة جديدة وآفاق جديدة في العديد من القطاعات واتخاذ قرارات جريئة كانت الى ما قبل شهور في باب المحرمات مثل تخفيض الضرائب وأجور القطاع العام وغيرها من أوامر الدفاع.