الاحتفال بكورونا ونهاية الربيع العربي
د.مهند مبيضين
26-04-2020 12:34 AM
كشف فايروس كورونا عن هشاشة الانسان المديني، أما الريفي وفي البادية فربما كثيرون لم يسمع بالجائحة، وقد انتجت حالة كورونا صورة خاصة بالمدن، فرتبت الناس على كيف ما تشاء وما يشاء الفايروس.
هزم المجتمع المديني، فعاد الناس للمشي والاصطفاف بالدور، واكتشفنا أن لدينا جيرانا واهلا في الحارة والعمارات المجاورة، لكننا لم نكن نعلم بهم قبل الجائحة، او ربما أنهم منهمكون في اعمالهم، كما اكتشفنا شهوة عند مسؤولين للتباري اعلامياً.
دخل الناس في حالة من التضامن غير المعهود سابقاً، هذا يسأل عن خبز لجارة وهذا يطلب منه قائمة المشتريات حين يخرج للسوق، وذلك يطلبه للتعليلة عبر المسنجر، فحدثت حالة تواصلية أفضل مما كنا عليه قبل كورونا، برغم مقولة التباعد الاجتماعي.
صحيح أن الأزمة منعت وصولنا لبعض في السيارات ومن الذهاب للعمل، لكن العمل كان بالوسع القيام به من البيت، بيد أن الخروج بالسيارات لاي ظرف ولأي سبب توقف فعدنا للمشي، وبعضهم عاد للدراجة الهوائية.
اكتشفنا لذة وتعب الجلوس في البيت مع الأبناء، وكانت فرصة اكبر لرؤيتهم، وأنا شخصيا اعتقد أني كتبت اكثر واجتهدت أكثر في اعمالي البحثية، كما أنني قرأت بحوث الطلبة بهدوء اكبر وأعدت بعضها مرتين وثلاثة.
لم تكن كورونا حالة مؤسفة اجتماعياً كما يرى البعض، صحيح أن لها كلفتها الكبيرة على الدولة، لكنها حالة استثنائية ذكرتنا بأن الانسان ضعيف وهش، وان العودة لحالة تواصلية افضل مما كنا عليه، هي حاجة ماسة في ظل زمن الفوضى الرقمية والذكاء الاصطناعي.
لم تعد فكرة الذهاب للجامعة موجودة في ايام الحظر، صارت الجامعة والمدرسة في البيت، كما اجتهد كثيرون للعمل من المنزل، شربنا كل مخزون القهوة المتبقي، واتلفنا أطنانا من الخبز بشكل موجع. لكننا مع كل ذلك تعرفنا على ذاتنا اكثر.
ليس من سبيل لاعادة الوضع كما كان قبيل كورونا مائة بالمئة، بل يجب ان تكون هناك هندسة جديدة لحياة جديدة، ومخزون من المونة في الدار، وممارسة الطبخ العائلي والأنشطة التي تعيدنا إلى فكرة الجماعة في مقابل زمن الفردية الذي سبق الجائحة.
ستتحول كورونا إلى ذكرى لاحقا، وربما يأتي من هو أشد منها في سياق حروب الأوبئة، ولكن المهم ان ثمة عودة اعتبارية كانت لدكان الحي، وللطحين، وللبرامج الحوارية ومقابلات المسؤولين، واكتشفنا ان الدولة أقوى كثيرا مما توقعنا، وأكثر قدرة على الوصول للناس من أي زمن مضى، وان الربيع العربي والحراك الشعبي انتهى أيضاً وصار فيسبوكيا ويؤثر بالحكومة ويدفعها لقرارات من خلال الضغط المكثف عبر منصات التواصل الاجتماعي.
الدستور