نشم رائحة الثلج عن بعد غيمتين وأكثر، نشمها برادار الشوق واللهفة والحنين، نشم رائحته الخجلى المختبئة في البعيد؛ نشمها في هذا المطر الجزيل، فنغمض عيوننا؛ كي يملؤنا ويباغتنا حلم أبيض، عن جنرال أبيض، يهيمن على معركة الشتاء ويجتاحنا بنقائه. نشم بلذة رائحته، وبين النشقة والنشقة نقول بلهفة: يا الله، شتاءاتنا ستظلُّ كسيحة تسير على كرسي مدولب، ما لم يأتها الثلج فارشاً بساطه فوق روابينا؛ يغمرنا بدفئه الشفيف: فجد علينا يا كريم!!.

تعبنا بلاك أيها الأبيض، تعبنا كل التعب بلاك أيها الخالص لوجه النقاء!، ومن شوقنا إليك صرنا نهرع للكروم والبساتين، لنقرأ أشجار اللوز الجريئة العامرة بالنوار الفارش بياضه على مدى العين ونقول بحزن: هذا ثلج الشجر قد جاء باكراً، وسيؤول بعد قليل للرحيل، فأين أنت أيها الثلج؟!، أين أنت أيها الصديق العريق، نحتاجك ليدب الفرح فينا دبيب النمل؛ ولنطير مرحاً كفراشات نار؛ نبحث عن غيمة أخرى تشبه حوتاً ممتلئاً، نهزّها هز الجائع لنخلة الرطب، وننتظر أن يتساقط المزيد: ثلج..ثلج..ثلج!!!.

جدي كان يقول لنا في كل موسم، وهو متلفع بفروته أمام كانون الجمر: الثلج ملح الأرض!، وأبداً لا تطيب الدنيا بلا ملح!!!، لكننا لم نكن نأخذ كلام جدنا على محمل الحب، فالثلج عندما كنّا نتذوق حباته الهاطلة من أثداء الغيم، كان طعمها حلواً كحبة بوظة، لكننا كنا نجامل جدي، ونقول بهزة رأس شكاكة: هو ملح الأرض يا جدوه!!!!.

وحين كبرنا عرفنا أن الأرض ينقصها هذا الأبيض البارد في كل موسم؛ كي تقتل أمراضها وجراثيمها وحشراتها الضارة، عندها صرنا نترحم على جدنا العزيز، الذي قال بفطرتها لب الحكمة، فالأرض لا تستقيم إن لم يطهرها الملح!!.

وحين فهمنا قول المسيح عليه السلام لتلاميذه وحوارييه: أنتم ملح الأرض!، وإذا فسد الملح فبماذا يُملّح؟؟!. صرنا نقول ايضاً لمحنا الأبيض، لوزرائنا وكبارنا ومسؤولينا: كونوا ملحاً لنا أيها الأعزاء، كونوا لنا مثل الثلج ملحاً للأرض يطهرنا من فسادنا!!!، ونرجوكم ألا تكون ملحاً على جراحنا!

ramzi972@hotmail.com