هل نحن على أعتاب ظهور هتلر جديد؟!
أ.د. أمل نصير
25-04-2020 11:14 AM
هل نحن في حالة حرب؟! وهل فعلا بات الوقت مهيئا لظهور هتلر جديد؟!
صرّح الرئيس الفرنسي، ورئيس الحكومة الإسبانية وغيرهما بعد انتشار فيروس كورونا قائلين: نحن في حالة حرب، ولعل عالم الاجتماع الفرنسي المعمر طويلا (ألان تورين) المولود في 1925 قد فسر ذلك في حوار صحفي بأنها قد تكون حرب دون مُقاتلين، فما نعيشه اليوم هو مواجهة بين ما هو إنساني ولا إنساني في عالم لا يوجد فيه فاعلين مفسرا قوله؛ بأنه لم يسبق قط أن تولى رئاسة الولايات المتحدة شخص غريب الأطوار مثل ترامب؛ شخصية خارج القواعد والمعايير، بل خارج الدور الذي يلعبه رئيس الدولة، وهذا ليس محض صدفة! لقد انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من لعب دور زعيم العالم، وإذا بحثت عن الدول القوية في أوروبا، فلن تجد واحدة، وهذا يعني أن المكان فارغ وجاهز لزعيم جديد يقود العالم.
كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم؟ أجاب تورين: لقد عشنا قرنين رائعين في المجتمع الصناعي، في عالم هيمن عليه الغرب، واعتقدنا في السنوات الخمسين الأخيرة، أننا كنا نعيش في عالم أمريكي. الآن، ربما سنعيش في عالم صيني، لكني لست متأكدا على الإطلاق من ذلك «فأمريكا تغرق، والصين في وضع متناقض لن يستمر إلى الأبد.
أين أوروبا من كل هذا؟ يعترف تورين بأنه أوروبي حتى النخاع، لكن يجب الاعتراف بأن مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي ليست بالشيء السهل. وقُلْ الشيء نفسه عن صعود مناهضي الليبرالية مثل سالفيني في إيطاليا. ونحن لا نعرف كيف ولا لماذا جاءت الجائحة في هذه الظرف، ومن السابق لأوانه معرفة ما يجب القيام به اقتصاديا، أو سياسيا، فلا يطلب منا شيء آخر غير ملازمة البيوت.
لقد ساد مثل هذا الإحساس الذي نعيشه اليوم إبان الأزمة الاقتصادية عام 1929 : إذ كان قد اختفى كل شيء، ولم يكن هناك أي فاعل في الساحة، لكن سرعان ما ملأ الفراغ (هتلر). بيد أن ما يدهش تورين اليوم، باعتباره عالم اجتماع أو مؤرخ الحاضر، هو أنه لم يشعر منذ زمن بعيد بمثل هذا الفراغ الذي ساد في 1929: غياب الفاعلين، وغياب المعنى، وغياب الأفكار، بل حتى الاهتمام!
أما في الحركة العمالية، فيرى تورين بأنه ليس لدينا اليوم فاعلون اجتماعيون، ولا سياسيون، ولا عالميون، ولا وطنيون، ولا طبقيون، ولدينا آلة بيولوجية، وفي الجانب الآخر، لدينا أشخاص ومجموعات دون أفكار، ودون قيادة ولا وجهة، ولا برنامج، وبلا استراتيجية، ودون لغة؛ إنه الصمت.
وهل سيكون هناك عودة إلى القومية والشعبوية؟ يجيب تورين: «هذا موجود هنا أصلا؛ اليوم هناك قراران أساسيان بالنسبة إلى أوروبا. أولا، التحرر بواسطة النساء، وثانيا، استقبال المهاجرين، وهذه القضية أعتبرها مشكلة كبيرة، فبلداننا الأوروبية تُعرَّفُ اليوم انطلاقا من مواقفها من المهاجرين.
وحول تداعيات الأزمة التي خلفها فيروس كورونا قال: "نحن بصدد انتقال وحشي لم يكن معدا ولا مفكرا فيه... والكثير من الناس سيصبحون مجانين بسبب غياب اللامعنى «لم يعد العالم كما كان، وأنا لأول مرة أشعر اليوم بالخوف."
وردا على سؤال: إن كان الوقت الراهن يذكره بحقبة الحرب العالمية الثانية، أجاب بلا، لكن ما يحدث اليوم هو شيء آخر لا مجال لمقارنته بالحرب العالمية الثانية؛ نحن في فراغ، ونُختزل إلى لا شيء... نحن لا نفهم ما يجري.
ويرى تورين أن الفيروس ليس كل شيء إذ ستكون هناك كوارث أخرى. وسيكون من المدهش للغاية بالنسبة له ألا تحدث كوارث إيكولوجية كبيرة في السنوات العشر المقبلة، ونبه إلى أن الأوبئة ليست كل شيء.
وفي ظل هذه الأزمات، هناك احتمال أن تؤدي صدمة اقتصادية إلى ردود فعل تصنف في خانة الفاشية، ويعتبر تورين أن الحالة التي نعيشها اليوم هي حرب، فليس لدينا علاج ولا لقاح، وليس لدينا أي سلاح، أيادينا فارغة، نحن محبوسون ومنعزلون، ومهجورون؛ إنها الحرب ذاتها!
وهل يحكمنا الفيروس اليوم؟ يجيب ألان تورين: «ليس الفيروس، بل عجزنا عن محاربته.
منذ ظهور فيروس كورونا والناس يجتهدون في محاولة لتفسير هذا اللغز؛ إن كان حدثا طبيعيا أو مؤامرة سياسية أو اقتصادية أو هي فعلا حربا بيولوجية، لكن لتصريحات ألان تورين طعما آخر، ولمن لا يعرفه، فهو من عمالقة علماء الاجتماع الذين ساهموْا في إغناء السوسيولوجيا بجهاز مفاهيمي ثري، والذين لهم نزوع إنساني، وخوف على العالم من الحروب والصراعات، والعولمة والحداثة، والمجازفة؛ لذا نراه دائم النضال بأفكاره ومنجزاته القوية والثورية.
تتلاقى تصريحات تورين مع تصريحات أخرى تفيد بأن العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبلها، لقد كشفت عن ظروف سياسية بدأت تظهر جليه بعدما كانت ضبابية، سواء من حيث زعامة العالم، وصعود الصين، وتغير طبيعة الحروب، والأزمات الاقتصادية، فهل ستؤدي هذه الظروف إلى ظهور شخصية مثل هتلر؟ وهل سيقود العالم إلى حرب عالمية ثالثة كما توقع أبو غزالة؟ وما طبيعة هذه الحرب؟ تقليدية أو بيولوجية أو اقتصادية أو غير هذه الأنواع جميعها؛ نوع جديد لم تعرفه البشرية بعد؟ وهل ستكون هذه الحرب بين أمريكا والصين؟
وكيف سيكون دور أوروبا الغارقة بالمهاجرين الذين بدأوا يشكّلون غالبية في بعض مدنها؟ وأين العالم العربي من هذا كله؟
إن طرح الأسئلة حول هذا الوباء وتبعاته هي فعلا نصف العلم بسبب حالة الغموض العالمية حوله، لعل البشرية تجد أجوبة قبل فوات الأوان حول هذا الفيروس الذي غير الكثير دوليا ومحليا .
amalnusair@hotmail.com