التكيف مع شهر رمضان المبارك خلال جائحة كورونا
تيسير الياس شواش
25-04-2020 11:09 AM
نستقبل شهر رمضان المبارك هذا العام في توقيت صعب على الأردن والعالم الإسلامي بسبب جائحة فيروس كورونا، إذ فرضت الأزمة الاحتراز والتباعد الاجتماعي في الشهر الذي يعتبره المسلمون شهر التواصل والتقارب ومن غير المألوف استقباله بهذه الحالة.
إن ديننا الحنيف تعامل مع كل الظروف للحفاظ على الأرواح، اذ أكدّ على إطاعة وليّ الأمر في الحفاظ على أنفسنا وأنها تُعد ضرورة من الضروريات الخمسة التي حثَّ عليها ديننا الحنيف (النفس والدين والعرض والمال والعقل)، لأن صحة الأبدان تُقدَّم على صحة الأديان.
نعم شهر رمضان هذه السنة سيختلف عما سبق وعما اعتدنا عليه، علينا أن نتقبل هذا الوضع القائم ونتذكر أن هذه مرحلة مؤقتة وأن علينا القيام بما اعتدنا عليه من صلاة وصيام وذكر ولكن داخل المنزل، وأيضاً القيام بالأعمال الاعتيادية والأنشطة داخل المنزل .
يجب أن نتذكر ونُذَكِّر جميع أفراد الأسرة بفضائل هذا الشهر والتأكيد على أهمية الصوم النفسية والجسدية في مواجهة جائحة كرونا، ويجب على الآباء أن يكونوا قدوة لأبناهم في تطبيق شعائر هذا الشهر والتعبير عن تفاؤلهم وسعادتهم وَبَث البهجة بين أبنائهم الصغار وتجنب التذمر أو الشكوى أمامهم، وضرورة التواصل مع الأهل بما توفره وسائل التواصل الحديثة من تسهيلات، وعلينا جميعا أن نتقبل هذا الوضع كما تقبلنا في هذه الأيام تقديم التهاني والعزاء عبر وسائل التواصل.
إن التأثير النفسي للصيام يعتمد على طريقة تفكيرنا إيجاباً أو سلباً، وما يتبعه من مشاعر لذا من الضروري التفكير والتعبير عما نفكر به بطريقة ملؤها الاستبشار والتفاؤل بهذا الشهر الكريم، ونتذكر فاتحة كل خير فيه تتنزل الرحمات، إن الصيام في هذه الظروف هو امتحان لنا على صبرنا وإرادتنا وقوة إيماننا بالله عز وجل وعدم السماح للأفكار والمشاعر السلبية التأثير علينا.
علينا أن نتذكر أن من فوائد الصيام المثبتة علمياً تحسين الحالة المزاجية وقدرة الإنسان في التعامل مع الضغوطات بشكل ملائم وإضْعاف المخاوف والقلق والأرق الناتجة عن تهديد جائحة كورونا للبشرية. ويعتبر الصيام أهم أساليب ضبط النفس وضبط الغضب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل أني صائم).
ونُذَكِّر أن الإكثار من الصلاة له فوائد نفسية إيجابية تتمثل في الشعور بالأمان والاطمئنان وخفض التوتر والحزن وطرد وتشتيت الأفكار السلبية التي تثير مشاعر الخوف والقلق، ولهذا يوصي المعالجون النفسيون بممارسة الشعائر الدينية كأحد أهم أساليب التأقلم والتكيف (Coping Skills) للتغلب على التوتر والقلق وتحسين الحالة المزاجية عموماً.
وللصيام فوائد جسمية عديدة، لأن الصيام يعالج في حالات الاضطرابات المعوية الحادة الناتجة عن فيروسات تضعف الشهية لتحمي الإنسان، حيث يزيد الصيام نشاط الكريات الدموية البيضاء للتغلب على الأمراض ويزداد إفراز انترفيرون (interferon to be produced) مما يزيد المناعة في الجسم للتغلب على الفيروسات وعلى الخلايا السرطانية والأمراض (صوموا تصحو). وهذه الأدلة المثبتة علمياً عكس بعض الشائعات المُغْرضة التي يتناقلها البعض بأن الصيام يضعف المناعة ويجعل تأثير المرض أقوى.
يؤدي الصيام إلى إنقاص الوزن وهذا ما يساعد على تخفيض نسبة الدهون وبالتالي علاج الضغط والتقليل من خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض الكلى وغيرها من الأمراض، خلال الصيام ينخفض الكولسترول الضار ويتدنى نسبة السكر في الدم.
أثرت هذه الجائحة على مناحي الحياة وعطلت عمل نسبة لا بأس بها وأثرت عليهم اقتصادياً وأصبحوا بحاجة ماسة إلى الدعم المادي، إن الحكومة الأردنية مشكورة تداركت هذا الأمر وهيأت برامج دعم مادي وقد لا يكون كافيا لذا يحتاج أن يشارك كل مواطن مقتدر مما رزقه الله، فإن شهر رمضان شهر الصدقات والرحمة والتعاطف مع الآخرين مهما كانت صلاتهم وأينما كان مكان إقامتهم ، إن جبر خواطر المحتاجين له أثر نفسي كبير ومؤشر على التكافل الاجتماعي وبث الطمأنينة في قلوب المواطنين.
علينا أن نُذكر أنفسنا بأن هذه الأزمة سوف تنتهي وينتهي معها الفيروس ونكون قد حافظنا بإذن الله على ديننا وعلى أرواحنا وأرواح من حولنا.
من الممتع أن نستمتع باللحظة، لحظة التفكر بالله وعظمته من خلال الخشوع بتأدية الشعائر الدينية وتلاوة القرآن في البيت وصلاة التراويح ونُعلم ونُشجع أفراد أسرتنا على العبادة والدعاء الخالص بأن يفرج الله كربتنا، إذ أن سعادتنا في الدنيا بعبادة الله عز وجل والابتعاد عما نهانا عنه.
إن الصيام والعبادة في المنزل فرصة إيجابية للاعتياد على عادات صحية وروحية سليمة خصوصاً لبعض الشباب الذين قد اعتادوا في شهر رمضان على السهر في المقاهي.
ولنتذكر أننا نعيش في ظروف استثنائية، ولنحمد الله أننا نصوم مع أسرتنا ونتناول الإفطار معهم، وغيرنا قد يكون في ظروف المعاناة من المرض أو العوز المادي أو السجن بعيداً عن أهله وأحبابه.
ولنتذكر في هذا الشهر أبطالنا من كوادر الطبية والقوات المسلحة والقوى الأمنية الذين يمارسون واجباتهم وهم صائمون في مواقع عملهم في الخط الأمامي تحت الضغط النفسي والجسدي.
دائماً يجب علينا أن نتفاءل بالخير ونتوكل على الله وندعو أن يمن المولى علينا بزوال هذه الجائحة الى غير رجعة فإنه نعم المولى ونعم المجيب.
اختصاصي العلاج النفسي السلوكي المعرفي/ اللواء المتقاعد الدكتور تيسير الياس شواش / مدير مركز الاستشارات النفسية والتربوية (المراد)