لا تقتصر تداعيات سياسات كورونا، أردنيّاً، على الجوانب الصحيّة، أو حتى الاقتصادية، إذ يتكثّف النقاش، هذه الأيام، في أوساط النخب السياسية، على مصير الانتخابات النيابية التي كان من المقرّر، كما أكّد الملك سابقاً، أن تجرى في صيف هذا العام، مع موعد استحقاقها الدستوري.
السيناريو الذي كان محسوماً أن ينهي مجلس النواب دورته العادية، مع شهر إبريل/ نيسان الجاري، ثم تصدر الإرادة الملكية بحلّه، ورحيل الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة تمهّد للانتخابات، خلال مدّة لا تزيد على أربعة أشهر، وفق الدستور، ليتم بعدها انتخاب مجلس نواب جديد، وتقدّم له الحكومة بيان الثقة.
هذا السيناريو، وإنْ لم يختف تماماً من المشهد، أصبح ضعيفاً وصعب المنال، مع تداعيات كورونا وما تضفيه من سياساتٍ صحيّة تحول دون عقد الاجتماعات لدى المرشحّين وتشكيل القوائم، فضلاً عن تدشين الحملات الانتخابية الجماهيرية، ما يعني البحث عن بدائل دستورية وسياسية أخرى.
السيناريو البديل تأجيل الانتخابات النيابية، ووفقاً للدستور، سيكون ذلك بتمديد مدّة مجلس النواب الحالي؛ في الحدّ الأدنى عاماً، والأعلى عامين، ما يعني تأجيل الانتخابات النيابية والاستحقاق الدستوري إلى صيف العام المقبل. وعلى الرغم من أنّ هنالك اتجاهاً متصاعداً يذهب باتجاه هذا الخيار؛ التمديد لمجلس النواب الحالي، إلّا أنّه لا يزال خياراً غير مرغوب فيه شعبياً، وفي أوساط نخب رسمية.
هل ثمّة خيارٌ ثالث؟ نعم، وهو ما يستند إليه سياسيون ودستوريون، وتحمله مضامين المادة (68) من الدستور، إذ ينص البند (2) منها على أنّه "إذا لم يكن الانتخاب قد تمّ عند انتهاء مدة المجلس أو تأخر بسبب من الباب، يبقى المجلس قائماً حتى يتم انتخاب مجلس جديد"، وهو ما اصطُلح عليه، سياسياً، بـ"مجلس يسلّم مجلساً"، فيبقى المجلس الحالي إلى أن يتم انتخاب مجلس جديد، من دون الحاجة إلى منح الحالي مدّة عام، إذ ترجّح نقاشات داخلية أن يكون ذلك لبضعة أشهر، وتجرى الانتخابات في العام المقبل مبكّراً.
لم يُحسم القرار بعد، حتى في أروقة الدولة، وعلى الأغلب سيتم ذلك بعد نهاية شهر رمضان المبارك، وستكون الصورة مع تداعيات كورونا أكثر وضوحاً والنقاشات أعمق، فما يزال الخيار على الأغلب يتراوح بين الخيارين، الثاني والثالث، في حال كان إجراء الانتخابات صعباً في صيف هذا العام.
لكلّ سيناريو أنصار وخصوم. لكنّ الاعتراض الرئيس على تمديد مجلس النواب الحالي يكمن في تهاوي شعبيته، وحجم الغضب الذي سيخرجه النواب ضد الحكومة، لشعورهم بالتهميش الكبير لهم، خلال أزمة كورونا الحالية، ما يجعل من العلاقة بين الطرفين (الحكومة والنواب) في المرحلة المقبلة متشنّجة إلى أبعد مدى، ويصعّب قدرة مؤسسات الدولة في التعامل مع "الشغب" النيابي. وفي حالة مجلس يسلّم مجلساً، فإنّ الاحتجاج الرئيس يتمثل في خدش مبدأ المساواة أمام القانون، إذ يستثمر النواب الحاليون حصانتهم وحضورهم في تعزيز فرص المنافسة في الانتخابات المقبلة، فضلاً أنّ بقاء النظام الانتخابي الحالي والرؤية السائدة في إدارة الدولة سيجعل من مخرجات الانتخابات المقبلة شبيهة بما هو واقع، فلا يتوقع أن يحدث أي تغيير حقيقي، قد تقتضيه التطورات الاقتصادية - الاجتماعية والسياسية التي ترتبت على "مرحلة كورونا".
ذلك يقودنا إلى بيت القصيد في ملف "الإصلاح السياسي"، فالمقاربة السائدة إلى الآن تتسم بالمحافظة، وبعدم إجراء أي تعديلاتٍ تؤدي إلى تغيير المخرجات، وإعادة التوازن إلى العلاقة بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، وبدعوى تغليب الجانب الاقتصادي على السياسي الذي قد يعيق الأول، في حال كانت هنالك تغييرات نوعية في قانون الانتخابات، تنتج مجلساً نيابياً شرساً.
في السياق، وخلال مناقشة هذه السيناريوهات، من الضروري أن يدرك "مطبخ القرار" أنّ مرحلة "ما بعد كورونا"، وما فيها من ازدياد حجم الضغوط الاقتصادية - المجتمعية، تعزّز من أهمية القيام باستدارة سياسية تستوعب المتغيرات الجديدة، وتؤدي إلى إدماج جيل من الشباب المتحمس للعمل العام والسياسي، ويشعر بالغضب من الأوضاع الحالية، وأيضاً تخفّف الحمل الزائد على الجانب الاقتصادي، عبر حواراتٍ وطنيةٍ وتياراتٍ ومناظراتٍ تفتح الباب لتجديد النخب السياسية وتجسير الفجوة بين الحكومة والشارع، ما يقتضي تعديلاتٍ على قانون الانتخاب، تطوّر الحياة السياسية وتخرجها من الأزمة الراهنة.
العربي الجديد