رمضان في زمن الكورونا
اللواء المتقاعد مروان العمد
24-04-2020 11:15 PM
حل علينا شهر رمضان المبارك في هذا العام ونحن نعيش في زمن الكورونا ليجعل رمضان هذا العام ليس ككل عام . جاء يومه ألأول في ظل حظر تجول عام وشامل فخلت شوارعنا من البشر وهم يتزاحمون على المتاجر والبقالات وبائعي الخضراوات والحلويات وربما يتشاجرون في بعض الاحيان ليشتروا ما لذ وطاب لأعداد مائدة الإفطار . خلت شوارعنا من السيارات التي كانت تضيق بها في مثل هذا اليوم من كل رمضان الا للمصرح لها من اجهزة أمنية وطبية .
جاء الاول من رمضان هذا العام بيوم جمعة خير يوم من ايام الأسبوع حيث كانت تحتشد في جوامعنا اعداداً كبيرة من العابدين الشاكرين لنعمة الله لإقامة صلاة الجمعة وبأعداد اكثر من أي يوم جمعة آخر في السنة ، وكان المؤذن قد أنهى الآذان بقوله صلوا في بيوتكم صلوا في بيتكم . وبقيت أبواب جوامعنا ومساجدنا مغلقة امام المصلين كما هي حالها منذ ان ابتلينا بهذا الوباء .
تم إعداد مائدة الإفطار ولكنها ليست كموائد الإفطار التي اعتدنا عليها في اليوم الاول من كل رمضان مضى . جلسنا أربعة على مائدة الإفطار ننظر حولنا ونتذكر جمعتنا في مثل هذا اليوم من كل رمضان حيث كان الابناء والأحفاد يتشاركون معنا في التحلق حول الطاولة في اجواء احتفالية تسودها السعادة والفرح والمودة . لقد غابت الأطباق المعهودة بمثل هذه المناسبة وغاب تعدد أصناف الطعام ، وغاب الهرج والمرج في لحظة رفع آذان المغرب معلناً انتهاء الصيام كما غاب تخاطف الصحون وتبادلها وتوزيع الطعام على الأطباق . لم يعد للطعام طعمه المعهود ، لم يكن لورق العنب والكوسى المحشي نفس الطعم بالرغم من إتقان الطبخ لانه كان في القلب غصة لعدم وجود الابناء والأحفاد وحتى دون إمكانية إيصاله اليهم .
لقد خلت طاولتنا بعد الإفطار من الحلويات التي اعتدنا تحضيرها أو يحضرها معهم الابناء احتفالاً بهذه المناسبة السعيدة .
لم نتحلق جميعاً كعادتنا حول التلفزيون بعد الإفطار ونحن نتنقل بين محطاته لكي نختار برنامجاً أو مسلسلاً لكي نشاهده ونتابعه وسط اختلاف وجهات النظر والمشادات اللطيفة في بعض الاحيان بين الموجودين حول ما يمكن مشاهدته ومتابعته . حتى اننا لم نهتم في البحث بين المحطات عن أي مسلسل مكتفين بمتابعة المحطات الإخبارية .
حتى القهوة التي اعتدنا على احتسائها بعد الإفطار مباشرة فقدت لذتها المعتادة حيث كان يتم إعداد القهوة السادة والسكر الخفيف والوسط والحلوة لترضي جميع الاذواق التي كانت تجتمع في هذا اليوم .
لم نذهب للجامع عند صلاة العشاء لكي نصليها فيه ونتبعها بصلاة التراويح والشفع والوتر كما اعتدنا بكل عام بخشوع وتعبد وسط صخب وفوضى يحدثها الأطفال الصغار في الجامع اثناء صلاتنا والذين كان إمام الصلاة وبين الركعات يطلب منهم الهدوء وعدم ازعاج بقية المصلين ولكن من غير طائل .
لم يزرنا احد بعد الإفطار كما هي سنة نبينا صل الله عليه وسلم بضرورة صلة الرحم في هذا الشهر الفضيل ولم نقم بزيارة احد . ولم نخرج للفرجة على زينة عمان في رمضان وحواريها ووسطها حيث قلبها النابض .
وكل ذلك بسبب هذا الكائن الفيروسي المتناهي الصغر والذي جاء ليقلب علينا روتين حياتنا وان يغير الكثير من عاداتنا وتقاليدنا وطباعنا وليغلق أماكن عباداتنا ومطاعمنا وأماكن السهرات الرمضانية وتبادل الزيارات و ليجعلنا حبيسي منازلنا .
لكن هذا الفيروس لن يمنعنا من ممارسة الأجواء الروحانية والدينية في هذا الشهر الفضيل . سوف نستمر بإقامة صلواتنا وعباداتنا داخل بيوتنا وستكون هذه فرصة لنا لنتفرغ لأفراد أسرتنا الصغيرة نجلس معاً ونتحدث معاً ونذكر الله معاً . لن ندع هذا الفيروس ان يهزمنا من الداخل ، لن ندعه ان ينتصر علينا سوف نحاربة بالتقيد بالإرشادات والتعليمات الصحية الصادرة عن المسؤولين وتحملنا لها . سوف ننتصر عليه بوقوفنا معاً وتعاوننا على مد يد المساعدة لمن توقفت أعمالهم وانقطع مصدر رزقهم ، فأن رمضان هو شهر الخير والرحمة وتقديم من يملك لمن لا يملك فكيف بهذا الوقت العصيب . سوف ننتصر على هذا الوباء بوعينا وحبنا لبعضنا ولهذا الوطن .
وكل عام وأنتم بخير وأعاد الله علينا رمضان القادم وقد عادت أيامه كما كانت .